دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

السبت، ١٧ ديسمبر ٢٠١١

ردًا على مقال د. أحمد خالد توفيق في التحرير: عزيزي محمد فتحي!



أسطورة الوزير العائد والحواوشي المسموم والجيش المعصوم!

يمكنك أولا قراءة المقال من هنا:

http://tahrirnews.com/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2%D9%89-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD%D9%89/

هناك لحظة قدرية تُجبرك على أن تختلف مع أستاذك، حين تكتشف أنك لا تتفق معه على طول الخط، ويُصبح الرد أشبه بالسير في حقل ألغام، بل أشد من ذلك، حيث قد تُظهر بعض الشدة حتى لا تُتهم بالمحاباة، فيكون هجومك لاذعًا وحادًا فوق ما يحتمل الأمر، أو العكس تمامًا فلا يصل مرادك وأيضًا تُتهم بالمحاباة في النهاية.
كل هذه الثرثرة كانت خواطر دارت بخلدي حين قرأت مقال د. أحمد خالد توفيق بجريدة التحرير يوم 12 ديسمبر الجاري، بعنوان "عزيزي محمد فتحي"، والذي تحدث فيه عن أمور عديدة وجدتني أختلف معها تمام الاختلاف، ودفعتني دفعًا لكتابة رد يُفند بعض ما جاء في المقال وليس كله بالطبع، هذا يعني أنني على ضفاف حقل الألغام الآن وسأخوضه بكامل قواي العقلية!
حين يتحدث د. أحمد خالد عن المجلس العسكري، فيبدو واضحًا للعيان أنه ليس من مؤيديه، إنما يرى أن للمجلس أخطاء بعينها أهمها: التباطؤ والتلكؤ، وهذه الأخطاء كانت هي الاتهامات الموجهة للمجلس بالفعل في الزمن السعيد الذي كان أكثرنا يؤمن فيه بأسطورة "الجيش والشعب إيد واحدة" والتي أصبحت بمرور الزمن إلى"الجيش يضرب الشعب بإيد واحدة" ثم إلى "الجيش والشرطة إيد واحدة" وخرج الشعب من الحسبة.
لكن الآن لم يعد خطأ المجلس هو التباطؤ، دهس المتظاهرين بالمدرعات أمام ماسبيرو لم يكن تباطؤ، سجن النشطاء السياسيين والشباب ومحاكمة المدنيين عسكريًا وبسرعة لا نظير لها لم يكن تباطؤ. الاعتداء على أهالي الشهداء ومصابي الثورة في أول أيام رمضان ومطاردتهم حتى صحن مسجد عمر مكرم لم يكن تباطؤ. دخول ميدان التحرير يوم الأحد 20 نوفمبر وتكويم القتلى في الزبالة، والاعتداء على فتاة وخلع حجابها لم يكن تباطؤ، ربما كان التلكؤ الوحيد في الأمر هو سكوت المجلس أربعة أيام على المعركة الدائرة بمحمد محمود بين الثوار والأمن المركزي رغم تواجد قوات للجيش هناك، أملا في إبادة الثوار بأيدي الشرطة دون أن تنغمس أصابع الجيش في الدماء أكثر من هذا.
لا مبرر لسكوت المجلس على كل هذا العجن الذي كان يستمر ليل نهار بداخل شارع محمد محمود –وقد رأيت هذا بنفسي طوال الأسبوع-، بل إن السكوت هو اشتراك في الجريمة تُسقط عنه شرعية التواجد في السلطة، وهو الأمر الذي اتفق عليه الثوار في ميدان التحرير وفي الإسكندرية والإسماعيلية والمنيا وكثير من المحافظات التي اندلعت بها المظاهرات مجددًا، فهتفنا يسقط حكم العسكر، وهتفنا بالرحيل الفوري، الذي ما إن يسمعه أحد حتى يصيح: "ومين يمسك البلد؟ والمجلس يمشي يروح فين؟" بينما لا يرى أحد أهمية لتلك الدماء التي سالت ما بين إصابات وشهداء. وإذا بالمجلس الذي فقد شرعيته –يمكن التأكد من ذلك بعمل كشف شرعية للمجلس- يستجيب للمظاهرات بما لم يكن مطلوبًا الآن، فأقال عصام شرف وأتي بالجنزوري الأسطورة العائدة من عصور مبارك، وهنا أعود من جديد لمقال د. أحمد حيث كتب نصًا:
لنتذكر أننا نخطئ أحيانًا في اختياراتنا.. ألم يأت عصام شرف من الميدان وباختيار الثوار؟"
لم أقرأ هذا الكلام أو أسمعه للمرة الأولى، فكلما طالبنا برحيل عصام شرف، الذي شهدت وزارته كوارث دامية نعرفها عن ظهر قلب، خرج من يقول لنا: مش ده اللي انتوا اخترتوه؟
الحقيقة أنني أستعجب من النسيان بهذه السرعة، فنحن لم نختر عصام شرف لرئاسة الوزراء، لقد كنا نطالب بسقوط شفيق، وربما كانت هناك أصوات من داخل الميدان تطالب بعصام شرف كاسم من ضمن الأسماء المقترحة، لكنني ما سمعت عنه كبديل أساسي ورسمي من داخل الميدان بأغلبية ساحقة، وفي ليلة وضحاها وبهجمة انتحارية من د. علاء الأسواني سقط شفيق، وعين المجلسُ د. عصام شرف!! أما الثوار فقد باركوا هذا الاختيار ومنحوه الشرعية بمؤازرتهم إياه. إذن من اختار من؟!
والآن وأنا أكتب هذا الكلام أجد اعتصام مجلس الوزراء يتعرض لمحاولة تسميم من بداخله بدون أن نعرف من وراء هذه المحاولة، ثم يتعرض لفض غير مباشر بالقوة في الليلة التالية لليلة التسميم.. وفي صباح الجمعة ينقض الجنود البواسل "خير أجناد الأرض" ليطيحوا بالشباب ويسحلوا الفتيات ويضربوا العجائز والأطفال ويقتلوا شيخ أزهر وطالب طب وشابًا في السادسة عشرة من عمره.. والآن أيضًا يقتحم الجيش ميدان التحرير صباح السبت ليحرق خيام المتظاهرين ويطاردهم ضربًا وسحلا حتى ميدان عبد المنعم رياض، رغم أن من في التحرير فتحوا الطريق للمرور منذ أسبوع وصاروا "على جنب وفي حالهم"..
تقول ياأستاذنا في نهاية مقالك:
"أراك من مربع مقالتك تنظر إلىّ نظرتك الجانبية الثاقبة.. أنت مهذب جدا وابن ناس، لذا تفضل أن لا تقول ما تريد قوله. سمها شيخوخة أو تعقلا زائدا، لكنى أكرر: التشاؤم ليس سياسة صائبة دائما، والتحرير ليس على حق دائما.. فلنعط الجنزورى والانتخابات فرصة ولنر".
ولست أدري على أي أساس تطالبنا بإعطاء الجنزوري فرصة، فهي مطالبة مجحفة تذكرني بمقولة: أعطى من لا يملك لمن لا يستحق. حينما يطالب أحدهم بإعطاء الجنزوري فرصة، والمجلس فرصة، فليعطها من دمائه هو، لكن أن يعطي الفرصة لهم كي يقتلوا المزيد من الشباب المعتصم هناك؟

أستاذنا العزيز: بعد ما حدث يوم الأربعاء من تسميم للمعتصمين، ثم ما بين الخميس والجمعة من ضربهم وقتلهم، أرى أنكم أعطيتم "أنتم" الجنزوري فرصة، ليفعل بنا كل هذا وهو من أدلى بتصريح أنه "يعد" بعدم فض الاعتصامات بالقوة، وأنتم لا زلتم تصدقون وعودهم.. تخاذلتم بتعقلكم "الزائد" وطموحكم الذي يرى أن ما حدث هو "فضل ورضا" والآن يُسحل الشرفاء في الميدان.. أعطيتم الفرصة وانتظرتم لتروا.. وها أنتم رأيتم.. فهل سنسمع منكم من يقول مثلما كان يقول بطلك د. رفعت إسماعيل: "لقد كنت ساذجًا.. ساذجًا"؟؟

بالنسبة لي فقد أشرقت شمس المجلس العسكري من مغربها يوم 19 نوفمبر ورُفع القلم وجفت الصحف ولم تكن هناك وقتها فرصة للتوبة.. فهل آمنتم الآن أن الكافر إذا طلب فرصة وقال يالتني كنت ترابًا.. ثم أعاده الله للدنيا هل يتغير؟ أبدًا ما يتغير!!
تراني دست لغمًا أثناء مقالي هذا؟ نعم.. لقد دست ألغامًا عديدة وليس فقط واحدًا.. فلم يعد هناك مجال لتفادي الألغام لأنها صارت كثيرة وفي كل مكان..

إزاي تفض اعتصام من غير ما يبان إنك بتفض اعتصام - شهادتي عن الأحداث



البداية كانت بخبر قريناه على تويتر إن في فض لاعتصام مجلس الوزرا بيحصل دلوقتي: الساعة تلاتة ونص الفجر

كنت على قهوة في وسط البلد، فقمت مع حسام دياب وروحنا نتأكد بنفسنا من صحة الخبر، مشينا لحد التحرير ومكنش في أي شكل من أشكال فض الاعتصامات من ناس بتجري وأصوات ضرب والكلام ده خصوصا إن التحرير مش بعيد عن مجلس الوزرا..

روحنا هناك لقينا فعلا في قلق والناس مجمعة طوب وواقفين في ترقب، سألنا بعض الشباب عن اللي بيحصل قالولنا إنهم مسكوا واحد تحريات عسكرية جوه الاعتصام، وإنهم تحفظوا عليه في مكان مجهول، وكان في شباب بيلعبوا كورة وخرجت عساكر من المبنى وهما بيلعبوا سحبوا اتنين منهم.. شوية وطلع واحد مضروب بس خفيف.. والتاني طلعوه من باب مجلس الشورى اللي بره في القصر العيني وكان مشوه تمامًا من الضرب والعجن اللي أكله.. وعرفت إنه من الألتراس واسمه (عبودي) أو عبد الرحمن إبراهيم..

شوف شهادة عبودي وهو في المستشفى:

http://www.youtube.com/watch?v=MChw2kqlRG8

المنظر ده خلى الناس تُستفز وراحوا عند بوابة مجلس الشعب وشتيمة وبعدين بدأ الضرب ومحدش يقدر يقول مين اللي حدف الطوب بالظبط.. بشهادة شباب من اللي جوه، وشهادة ناشط سياسي أعرفه شخصيًا وبثق فيه إن اللي بيحصل ده مش طبيعي وبيجرونا لحاجة ومعركة مش وقتها والهدف مش معروف..

بعد كده فوجئت أنا وحسام إن في عربية تابعة للجيش ولعت فجأة، والناس جريت من حواليها وكتير منهم بيقول إن الجيش اللي ولعها وإنهم بيطلعوا من البلكونات الخاصة بمجلس الشعب يصوروا بكاميرات اللي بيحصل والنار المولعة، وطبعًا بعد كده يبان إن المعتصمين هما اللي ولعوا في العربيات والكلام ده..

وفجأة وإحنا واقفين خرج عساكر من بلكونات مجلس الشعب وحدفوا علينا طوب كتير جدًا.. اتحامينا في الخيام والشجر والبعض مننا بدأ يرد.. وطبعًا الموقف ساعتها هو دفاع عن النفس.. لكن محدش هيفكر غير إن ناس بتضرب طوب على مبنى مجلس الشعب وحرام عليكوا خربتوا البلد وحماية المنشآت العامة واشتري المصري وكده..

شوية ولقنا واحد مصاب في دماغه جنبنا فجرينا شيلناه وروحنا المستشفى الميداني اللي في قرب مدخل الاعتصام تقريبًا، وإحنا هناك وصل مصاب كمان في رجله، ووقتها الأطباء قالولنا إن في نقص في الشاش والقطن والبيتادين وخلافه وكان ساعتها العدد كبير بين المعتصمين.. قرر حسام يروح يجيب الأدوية اللي ناقصه وروحت معاه، ورجعنا على القهوة قابلنا أحمد يحيى وتامر فتحي وحكينالهم على اللي حصل، وبعدها روحنا نشتري الأدوية..

رجعنا على الاعتصام لقينا إنه مفيش اعتصام وإنه اتفض خلاص!!!

الشباب كلهم واقفين بره الشارع بتاع مجلس الشعب، وفي ضرب طوب من جهة صفوف من شباب تانيين وموجهة ناحية عمق شارع مجلس الشعب وناحية المبنى بتاع المجلس نفسه.. وطبعًا بداخل الشارع كانت الخيام اتحرقت والشارع نفسه كان شبه ساحة الحرب.. بس إزاي حصل الفض ده؟ مقدرش أعرف

بعدها بدأ ضرب المولوتوف والنار وحصلت حرايق محدودة ومنتشرتش بسبب إن كل ما حريقة تحصل تلاقي إيد طالعة بخرطوم من جوه شبابيك المبنى بتطفي الحريق.. ومن فوق خالص على ارتفاع تمن تسع أدوار نفس الحكاية خرطوم بيرش مية من فوق..

كتير من اللي كانوا واقفين مكنوش راضيين على الضرب وإلقاء المولوتوف.. وكتير كانوا شايفين إن ده الرد الصح على القوات الموجودة جوه واللي ضربتهم وأصابت ناس منهم..

في الوقت ده عرفنا مكان المستشفى الميداني الجديد فين وراح حسام وسط الضرب جري بالأدوية ومرضيش إننا نروح معاه عشان يكون خفيف الحركة.. وراح فعلا وصل الأدوية ورجع.. ووقتها كان عساكر الجيش والبلطجية اللي لابسين مدني معاهم بيحدفوا قوالب طوب زي الدبش من فوق سطح المبنى وزي ما تنزل.. ممكن تنزل كلها على دماغك وهتموتك في ساعتها

ممكن تنزل جنبك وتتفرتك وتخبط فيك شظية منهم ولا حاجة.. وممكن تعدي على خير..

الضرب مكنش بطوب بس.. كان برخام وخشب وده شفته بعيني، غير طبعًا الدواليب اللي بدأ حدفها بعد ما مشيت..

كانت الساعة داخلة على سبعة الصبح وكنا قررنا نمشي لأن خلاص الموقف بات واضح إنه انتهى، والضرب من جهة الشباب وقف ومبقاش في حد بيحدف مولوتوف ولا حاجة.. مشينا فعلا وعند بوابة مجلس الشورى كان في عساكر قليلة واقفة حراسة جوه البوابة ووراهم ظباط أو رجال أمن لابسين مدني.. وخارج البوابة وقف بعض الشباب والسيدات يزعقوا فيهم ويشتموهم ويحسسوهم بالخزي وإزاي هما مكانهم على الحدود ومع ذلك بيتشطروا علينا هنا وعلى الحدود بيتفشخوا..

حاولنا نهدي الناس دي ونقولهم إنهم يوفروا صوتهم ومجهودهم لأن اللي جوةه دي بهايم ولا هيفهموا.. لحد ما واحد من الأمن اللي في اللباس المدني، عمل حركة بقبضة إيده لبنت واقفة معانا وعلى شفايفه الابتسامة اللي ممكن تخليك تقتله حرفيًا وبكل ما في الكلمة من معنى..

ساعتها معرفناش نهدي حد لدرجة إن أحمد يحيى نفسه زعق مع اللي بيزعقوا..

فجأة لقينا واحد جاي جري وبينده على الظباط بيقولهم العربية بتاعتكوا ولعت الحقوها اطفوها جنبها عربيات كتير وهتولع.. بصينا لقينا عربية جوه سور مبنى هيئة النقل والكباري مولعة والنار لسه بتاكل فيها.. جرينا تاني على قوات الجيش اللي جوه مجلس الشورى نقولهم.. والناس تصرخ فيهم روحوا طفوا النار.. ولا هما هنا.. خرطوم الحريق جنبهم على الأرض وفي عمق الساحة في عربية واقفة وعسكري بيغسلها بخرطوم مية.. ومحدش فيهم راضي يتحرك.. ومنهم فرد أمن مدني شفته بعيني بيشاور للي واقفين معاه بإيديه بما فيها: كبروا دماغكم

صورت كل الكلام ده فيديو ممكن تشوفوه هنا:

http://www.youtube.com/watch?v=zojbHHMdICk

العربية قعدت تفرقع شوية والكاوتش يضرب وبعدين النار مسكت في عربية جنبها والناس كلها واقفة مش عارفة تعمل إيه ومحاولات استجداء الظباط يطفوا الحريقة مستمرة، رغم إن العربيات دي بتاعة الحكومة مش بتاعتنا.. مع ذلك الناس محروق قلبها بجد..

تعالت هتافات بسقوط العسكر والمشير وخلافه، وفي النص كده لقينا واحد جاي بيرمي سائل من كوباية في إيده على النار.. الكوباية صغيرة والسائل ممكن ميكونش أكتر نص الكوباية مثلا.. الولد ده اتمسك واتعجن ضرب من واحد كان واقف ماسك علم مصر..

الموقف ده ممكن يتفسر بطريقتين:

- الولد ده طرف ثالث وأصابع خفية ويبقى شجاع جدًا على سنه (بالكتير 18 سنة ببنطكوره وشعره المتلون بالدهبي والمتسرح بفورمة عرف الديك) عشان يدخل وسط الثوار ويروح ناحية العربية اللي بتولع واللي حواليها مساحة فاضية هتخليه يبان لينا كلنا..

- الولد ده من اللي أعصابهم فلتت ومن اللي بيكونوا دايما في الصفوف الأمامية لمواجهة الأمن المركزي بالطوب والكلام ده وظن إن إحنا من واجبنا نعمل كده ردًا عليهم..

لكن مقدرش أجزم إذا كان مندس أو واحد من المعتصمين..

بعدها بشوية جه شاب تاني شكله مريب شوية وجري ورمى طوبة على إزاز أوتوبيس واقف جنب العربيات اللي بتتحرق جوه السور برضو، الناس راحت عليه وبتقوله ليه كده وبتاع فقعد يقول محدش يقربلي وإوعي وبتاع.. وممكن تشوفه هنا:

www.youtube.com/watch?v=kyYQ2BEFNas

فضلنا نلف على طريقة نطفي بيها الحريقة قبل ما تمتد لعربيات تانية خصوصًا إننا لقينا عربية شبه عربيات الجاز واقفة جوه ساحة المبنى جنب العربيات المحروقة، وقلنا دي هتبقى كارثة كبرى لو النار وصلت لها.. وجت بنت من الثوار حاولت تنط السور وتدخل تطفي الحريقة، والناس نزلتها بس هي اللي خلت الباقيين ينطوا جوه السور ويجروا يندهوا الغفير ويدوروا على خراطيم مية يطفوا بيها الحريق.. وفضلوا على الحال ده حوالي عشر دقايق لحد ما طفوا النار كلها وسيطروا على الحريق..

صورت عملية إطفاء الحريق وممكن تشوفها من هنا:

http://www.youtube.com/watch?v=L2y3K4Z6OZM

ساعتها كانت الساعة تجاوزت سبعة ونص.. وكان ما زال الطوب والرخام بيترمي علينا من فوق سطح مبنى مجلس الشعب.. والمصابين عمالين يقعوا.. والشباب بيرموا طوب من ناحيتهم هما كمان.. حسام وأحمد شافوا إن مفيش داعي للوقوف أكتر من كده والموضوع خلص خلاص.. وكنت شايف إن معاهم حق.. فمشينا والكلام ده كان قبل ما تتشير صور عساكر الجيش المحتشدين ورا بوابة مجلس الشورى..

دي شهادتي من ساعة ما وصلت لمكان الأحداث لحد ما مشيت.. بالناس اللي سألتهم بكل حاجة..

لكن اللي أقدر أقوله إن قوات الجيش اللي هناك من أقذر وأحط المخلوقات اللي خلقها ربنا.. اعتداءهم على البنات وضرب العزل والإشارات القذرة بإيديهم والكلام ده يدل على إننا لسه بنواجه نفس النظام القديم بغباوته ووساخته حتى إشعار آخر..

يسقط يسقط حكم العسكر

الخميس، ١٧ نوفمبر ٢٠١١

بين سميرة وعلياء والثورة والشعب!!


فقط في مصر –وربما في العالم العربي- وفي مجتمع مثل مجتمعنا، يكون الحدث "الوحيد" الذي يسيطر على العقول، رغم الأحداث -أو الكوارث- المحيطة، هو قيام فتاة بنشر صورتها عارية على مدونتها "الشخصية" بدعوى الحرية!
وإن كان هذا الفعل هو نوع من أنواع تحدي المجتمع أو تحدي أفكاره المنغلقة، فإنه لا يوصف إلا بفعل "أحمق" لا يراعي الظروف الحالية، ولا التغيرات التي تجري على الصعيد الاجتماعي والسياسي، بل هو أشبه بمن ألقى بنفسه في مواجهة قطار مسرع بحجة تصحيح مساره، فقط لأن القطار يسير –من وجهة نظره- في الاتجاه الخاطئ!
فقط في مصر، ومع صحافة لا تأخذ من المهنة سوى اسمها، ومع إعلام لا يصطاد إلا في المياه العكرة، تكون قصة الفتاة العارية هي قصة الساعة: هل هي تنتمي لـ 6 أبريل أم لا؟ -مع إبراز اسم 6 أبريل بخط عريض كبير وكتابة "أم لا" بأصغر خط ممكن- هل هي حرة في عرض جسدها أو إخفائه؟ وما هو حكم الدين –أو حكم قناة الرحمة- في كشفها لجسدها؟ أما قصة "سميرة إبراهيم"، الفتاة الصعيدية الجدعة، التي فضحت المجلس العسكري في قضية كشف العذرية، وتحدثت بكل شجاعة دون أن تخشى أحدًا، لا تحظى ولو بنصف عمود في جريدة يرأس تحريرها من أدمَن لعق أحذية الكبار، أو لمدة خمس دقائق في برنامج "توك شو"، يقوم على إدارة الحوار فيه وجه كالح لا يكلّ من إبراز دور المجلس في حماية الثورة!
يمكنك مشاهدة فيديو سميرة إبراهيم من هنا:


فقط في مصر والعالم العربي، يزور الشعب –المتدين بطبعه- مدونة الفتاة العارية، رغم التحذيرات من محتوى المدونة غير المناسب، ويسجل الفيديو الخاص بها 2 مليون مشاهدة، في مقابل بضع عشرات الآلاف مشاهدة لفيديو "سميرة إبراهيم"، ويشاهد أكثر من مليون آخرين فيديو لدخول مسيحي في الإسلام، بينما لا يشاهد ربعهم فيديو آخر لدخول مسيحي تحت عجلات مدرعة جيش أمام ماسبيرو!!
فقط في مصر يتهم الشعب –المتدين بطبعه- المحصنات من النساء والفتيات في أعراضهن إذا ما قالت إحداهن أنها كانت في التحرير، تنام في البرد لتنتزع حقها وحق بلادها، ثم اعتقلت وعُذبت وكُشف جسدها رغمًا عنها، كما نقرأ في التعليقات على فيديو الفتاة الجدعة "سميرة إبراهيم"!
بينما يتابع بكل نهم –نفس الشعب المتدين- مسلسل أو فيلم الفنانة العظيمة التي تغطي جسدها ملتزمة بقانون الحد الأدنى من الملابس، بعد أن سمعها بأذنيه خلال الثورة تؤيد وتبايع وتبكي الرئيس الأب والزعيم الرمز صاحب الضربة الجوية! ترى هل كان اسمها غادة عبد الرازق؟
فقط في مصر تصبح "نوارة نجم" عميلة، و شباب 6 أبريل خونة، والبرادعي سبب خراب العراق، و"بلال فضل" نذير شؤم، و"علاء الأسواني" قليل الأدب، بينما يرتفع الصوت المؤذي للنكرات صنيعة عصر الظلام، إما دفاعًا عن المجلس عبر قنوات الفلول الفضائية -راجعوا CBC ولميس الحديدي كمثال- أو بالدعاء والمبايعة له فوق كل منبر، حتى انتهت المنابر فكانت البيعة من فوق جبل عرفات (سامعني ياشيخ حسان)؟! أو تأييدًا وتأسفًا للرئيس عبر شخصيات عنكبوتية زبايدرية مخنثة أو مهووسة بنظريات المؤامرة والفوتوشوب، أو شتمًا في الثورة والثوار من سيدة نجحت من قبل في تجميل صورة الملك فاروق، لكنها تجد صعوبة مرحلية في تجميل صورة المخلوع، وهي "لميس جابر" بدون ذكر أسماء!
ملحوظة: هل هي مصادفة أن تكون هناك سيدتان من الفلول تحت اسم: لميس؟
فقط في مصر يُحاكم قتلة الثوار أمام المحاكم الطبيعية للنزاهة والشفافية الكاذبة، ويتم التأجيل شهرًا بعد شهر لسماع الشهود –أو ربما أملا في موت الشهود أولا- بينما يُحاكم الثوار أمام المحاكم العسكرية لأن منهم من دفع روحه دفاعًا عن حقه ولا يزال يُحاكم وهو في قبره، أليس كذلك يامينا دانيال؟ ومنهم من نزلت للشارع في وقت كان فيه رجال، لم ينالوا من رجولتهم سوى الأسماء -بينما حفظت هي بداخلها كل الأسماء، فكانت (أسماء محفوظ)- يقبعون على الأرائك متكئين خائفين على "استقرار البلد"، ومنهم من قال "لا" ولم يخش في الله لومة لائم! وبهذه المناسبة أقول: الحرية لعلاء عبد الفتاح ولأكثر من ثلاثة عشر ألف مصري مسجونين أو لا يزالوا يحاكمون أمام محاكم عسكرية.
فقط في مصر تقوم ثورة، فيتحدث عنها العالم أجمع، ويتبعها الشباب ويتخذونها قدوة، ثم يتغنى شباب العالم بأغاني الثورة التي صنعها الشباب –الثورة والأغاني على حد سواء- وبعدها يخرج شباب أوروبا وأمريكا بشمالها وجنوبها في مظاهرات عارمة يشكرون فيها المصريين، ويكتبون على ميادينهم أنها "ميدان تحرير" جديد، بينما داخل مصر تجد الغالبية تشتم في الشباب وثورتهم التي ما جلبت إلا الزعزعة والانفلات الأمني، وتجد إعلامها لا يلتفت لإنجازات هؤلاء الشباب الفنية أو الثقافية أو السياسية حول العالم، بل يكتفي بإنجازاته الجسدية خاصة لو بدون ملابس!
في مصر لا يتمكن كثير من الناس من الحياة بشكل كريم، لا يجدون ما يأكلونه، لا يجدون مياه نظيفة ولا بيوتًا تأويهم إذا ما اشتدت الرياح وسقط المطر.. وفي الناحية الأخرى لا يكف اللغط من رجال الدين ورجال السياسة ولا يكف الخناق حول إسلامية أم ليبرالية أم مدنية أم برية أم بحرية أم ملوخية.. الناس لن تأكل دين ولن تلبس ليبرالية ولن تستحم بالمدنية..
في مصر لا تزال العقول المتحجرة التي شاخت تريد أن تتحكم في مجريات كل الأمور، مهدرة طاقة الشباب الذين غيّروا وجه العالم في 18 يوم فقط، فيتكلمون بذات النبرة البطيئة الميتة إكلينيكًا من سنين، ويتباهون بالقوانين وتطبيق القوانين، وما هي إلا قوانين وضعت في العهد المباركي الأغبر فكيف نعترف بها وبشرعيتها وهي أتت من مجالس برلمانية فاقدة الشرعية والنزاهة؟
الآن يحكم القضاء الإداري للفلول بحق الترشح لمجلس الشعب.. وبالبلدي كده لو دي ثورة بجد مكنش كلب منهم بأة له صوت يطلع يهوهو بيه.. وكان زمانهم مستخبيين في جحورهم خايفين يطلوا براسهم لتطير.. دي هي الثورة اللي بجد!!
لن نسمح لكم بقتل أحلامنا في بلد أنظف وأكثر حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية بين كل الطبقات، لن نسمح لكم باغتيال أحلامنا كما اغتلتم أحلام آبائنا خلال حكم العسكر المشئوم..
إن من يصدق أن المجلس العسكري لا يريد السلطة ويهدف إلى تسليمها فهو واهم، لقد كان مبارك يقول نفس الشيء عن التوريث، لكن الملصقات كانت في كل مكان، وكأنه أمر واقع.. لكننا وقفنا من قبل وأسقطنا مشروع التوريث وأسقطنا الوريث وأسقطنا أبا الوريث نفسه.. ولن يكون صعبًا علينا أن نسقط المجلس بعد ذلك..
فقط انبذوا عن عقولكم جسد الفتاة العارية، فمن يشاهدها هو ذلك الذي بحث عنها وذهب إليها بماوسه وكليكاته، ومن شتمها بعد ذلك أولى به أن يشتم نفسه لأنه نظر ولم يغض بصره، ولنترك الخلق للخالق، لها رب يحاسبها سواء كانت تعترف بوجوده أم لا..
فقط اهتموا بما يجب أن نهتم به، انشروا الحق ولا تكتموه مخافة حبس أو عدوان، فما ضاع حق وراءه مُطالب، وما مات أحد دون حقه إلا وهو شهيد ولا نزكي على الله أحدًا..
وللمجلس العسكري أقول: انتهى وقتكم وحان الآن صوت الحرية حسب التوقيت المحلي لجمهورية مصر العربية الحرة.

الخميس، ٢٩ سبتمبر ٢٠١١

نهاية العالم.. والعالم منتهاش



كل عام وأنتم بخير..

هناك احتمالية أن يكون هذا آخر مقال لي هنا، أو في أي موقع أو جريدة أخرى، كذلك قد يكون آخر مقال تقرأه أنت عزيزي القارئ، فربما تكون الزلازل تضرب العالم وأنت تقرأ الآن، بينما البراكين تحرق الأخضر واليابس، والفيضانات تغرق الأودية والسهول، هنا دعني أحييك على إصرارك على الاستمرار في القراءة بينما العالم ينهار من حولك، أنت بطل!

كل عام وأنتم بخير، فقد تكون هذه هي نهاية العام 2011 الذي طالب الكثيرون بانتهائه بعد مايو الماضي، وبعضهم طالب بوضع حد له بعد شهرين من بدايته، ذلك العام الذي بدأ بانفجار كنيسة القديسيّن مع أول دقائق يومه الأول، ولا زال يتحفنا كل يوم بكارثة جديدة.
رغم أننا لا ننسى طبعًا حسنة هذا العام، الذي أسقط أنظمة عربية مستبدة، غاشمة، دموية، ما ظن أحد أنهم بزائلين إلا مع زوال العالم نفسه!!

 لكن تلك النهاية المزعومة -التي يؤكدها فيديو غامض لبروفيسور أكثر غموضًا، والتي تنفيها وكالة ناسا مؤكدة أن الأمر كله محض هراء علمي- حينما تأتي بعد الثورة المصرية، فإننا يجب أن نراها بصورة مختلفة ومن زاوية أخرى، مثلا:

1- طبعًا نهاية العالم هي من مساوئ الحياة بدون مبارك، الذي كان يحمي كوكب الأرض من المذنبات الضالة المسعورة، وكان يفرض سيطرته على الفضاء الخارجي فلا يجرؤ زحل أن يتظاهر بأنه هلال!! فعلا ولا يوم من أيامك يامبارك..

2- من المزاعم الأخرى، أن هذا المذنب سيخفي الشمس في كسوف دائم لثلاثة أيام، وهذا الأمر سهل تكذيبه، حيث أن الإعلان الدستوري ينص على عدم إخفاء الشمس أكثر من يوم، ولا يجوز تمديد المدة إلا باستفتاء شعبي عام، أو بإرادة المجلس العسكري، الذي يتمتع بقدرة خارقة على التمديد دون مساعدة من أحد!!

3- ليس من العدل أن تأتي نهاية العالم قبل أن نعرف الإجابة عن الأسئلة الكونية المصيرية على شاكلة: هل تمتلك الداخلية قناصة؟ هل سيدان مبارك في محاكمته أم سيموت قبلها؟ ماذا قال علاء لجمال في اللحظات الأخيرة داخل القصر الجمهوري؟ هل ستجرى انتخابات البرلمان في موعدها؟ من أين يشتري الفريق شفيق بلوفراته؟! وهكذا..

4- بعض القوى السياسية نفت أن تكون نهاية العالم يوم 26 سبتمبر لثقتهم أن الانتخابات أولا، ويهددون بالتظاهر في مليونية جمعة تصحيح مسار "المُذنب"، إذا وقعت النهاية لأن ذلك ما هو إلا التفاف على نتيجة الاستفتاء والشرعية!

5- حينما سألوا بعض مرشحي الرئاسة عن رأيهم في نهاية العالم، كان رأي الشيخ حازم أبو إسماعيل أنها نهاية مُدبرة من المجلس العسكري وعلى الشعب أن يستعد، بينما أعرب عمرو موسى عن قلقه وطالب بضبط النفس، في حين أكد البرادعي أننا يجب ألا نخاف من النهاية ونسعى لإحداث تغيير مفيد لمستقبل مصر، بعد نهاية العالم!

6- نهاية العالم نبوءة يهودية وهذا المُذنب فوتوشوب – نقلا عن عمرو مصطفى!

7- رغم أن وكالة ناسا نفت تلك المزاعم، إلا أن أي ماسوني يحترم نفسه سيؤكد أنها تخفي الحقيقة عن العالم، كي تهرب في سفن النجاة العملاقة، التي كشف عنها فيلم 2012، تأليف: أحمد زبايدر!

8- من ناحية أخرى فإنها مؤامرة تمت بالاتفاق بين تامر حسني ومجلس النيازك، لضرب ألبوم عمرو دياب الذي سيطرح في الأسواق بعد نهاية العالم، انتقامًا لشعبية تامر التي راحت في الحضيض بعد أن غرغروا به في الثورة، بينما فلت دياب بل وعمل أغنية كمان!!

9- يظن البعض أن 2011 قد حقق لهم كل ما يتمنوه في الدنيا، قاموا بالثورة، وأطاحوا بمبارك، ثم سجنوه هو ونظامه، بعدها رأوه داخل القفص يلعب في أنفه كأي متهم يُنكر الاتهامات كاملة، ثم سمعوا الحكم بالسجن 10 سنوات على إمبراطور الحديد أحمد عز، وفي النهاية ذهب المشير طنطاوي للإدلاء بشهادته -وقال معرفشي ميحكمشي- قبل نهاية العالم بيوم، إذن لم يبق سوى إنزال الستار!!

10- بعض المتفائلين يرون أن هذا الجرم السماوي بشرى للخير، حيث أنه "مُذَنَّب"، وهو ما يعني أن مبارك "مُذْنِب" بعون الله، وسيلقى جزاءه، أتمنى فقط ألا يكون جزاؤه هو انهيار العالم كله فوقه!!

لكن رغم كل ذلك فالأكيد أن نهاية العالم لا تعني يوم القيامة، حتى لو وقعت الكارثة، فربما انتهت حضارة عفنة، يقوم عليها ملوك وأمراء ورؤساء فسدوا وأفسدوا وبطشوا وجاسوا خلال الديار، وحان الوقت للبدء من جديد على نظافة، والله أعلم!

السبت، ٣ سبتمبر ٢٠١١

الآن أكــتــب...

 أ/ أحمد مصطفى عبد القادر المصري
7 مايو 1925 ميلادية - 16 أغسطس 2011 ميلادية
تصويري في 11 مايو 2011


الآن أكتب..
لأن الرغبة في الكتابة لا تموت.. لكن القدرة على الكتابة هي التي تفعل..
لا أعرف تحديدًا ما الذي سأكتبه.. 
فكّرت أن أكتب عمّا يجيش بداخلي من مشاعر مضطربة لا أفهمها.. لكنني توقفت عند تساؤل مهم: كيف سأكتب عمّا لا أعرف؟
هناك بعض المقولات الخرقاء التي لم أكن أومن بها في السابق.. عن الفرحة الشديدة التي تصيب الإنسان في وقت من أوقات حياته، فيمشي في الأرض مرحًا، غير مُدرك أن الفرحة في الحياة هي الاستثناء، بينما القاعدة هي أن تمشي مكبًا على وجهك حزينًا بائسًا وحيدًا مهما كثر العدد من حولك، ومهما أحاطت بك الأسماء..
الأسماء..
إن هي إلا أسماء سميتموها.. 
لم أكن أعتقد في ذلك.. حتى جاءت العلامات والدلالات.. فآمنت..
كانوا يقولون أن أمام كل روح تغادر جسدها، روح أخرى تعمّر جسدًا آخر وتبدأ معه رحلة في الحياة.. لكنني اكتشفت أن أمام كل روح تفارق جسدها، روح أخرى تموت داخل الجسد الحيّ.. فلا هي تركته يموت.. ولا هو عاش الحياة كما ينبغي له أن يعيشها..
حين أغلق باب الغرفة كي أنام تنتابني تلك القشعريرة العجيبة التي لم أكن أعرفها من قبل..
لقد صرت وحيدًا ياولدي.. الغرفة التي كان يشاركك فيها ذلك العجوز الطيب قد صارت لك.. فارقك العجوز ليسكن غرفة أخرى لن يتركها إلا بقيام الساعة..
تتقافز في ذهني الذكريات..
في مثل هذا الوقت كان ينهض ويطلب منك مساعدته للقيام من الفراش..
وفي مثل هذه الساعة كان يطلب الإفطار..
في الظهيرة كان يفتح الأكياس البلاستيك لتزعجك أصواتها.. كي يُخرج علبة الدواء ويتناول القرص الذي يتناوله منذ أن وعيت على دنياه.. أنت لا تعرف ما كنه هذا الدواء.. لا تعرف إن كان للقلب الذي لم يشك منه العجوز من قبل إلا محض تخيلات واهمة.. 
لا تعرف إن كانت للضغط أم الصداع.. هل كانت أقراص الشباب الدائم ومحاربة الشيخوخة؟ 
أنت حقًا لا تعرف..
الآن تتمنى أن تعرف.. لكنك قد صرت وحيدًا ياولدي.. فمن تسأل ليجيبك؟
حينما تحزم حقائبك في الفجر لتسافر، كان هو آخر من تودعه.. تنحني لتعانقه لأنه لم يعد قادر على رفع عنقه لأعلى.. 
في المرة الأخيرة كان منزعجًا لأنك لن تتناول الإفطار معه في رمضان.. فكنت تهدئ من روعه وتخبره أن ظروف العمل تقتضي هذا، وتعده أنك ستأتي في إجازة العيد..
هل قلت إن شاء الله؟
ربما لم تقلها..
لأنك لم تتعلم الوفاء بوعودك بعد ياولدي..
الآن أنت تحزم حقائبك وتنظر للغرفة الخالية.. تبحث عن معانقة الوداع المعتادة فلا تجدها.. تقف مترددًا قبل أن تطفئ النور وتغادر..
تتقافز في ذهني الذكريات..
كنت تضع حذاءك أسفل السرير بالكامل حتى لا يدوس عليه العجوز وهو يمشي الهوينى فيتعثر.. والآن تخلعه وتدسه أسفل السرير ثم تتوقف.. وتخرجه وتضعه في أي مكان.. 
مرحى.. لقد صرت وحيدًا ياولدي..
حين اشتد عليه المرض يومًا منذ سنوات.. قال لك أنه يدعو الله ألا يموت إلا بعد أن يراك وقد تخرجت من الجامعة وصرت حاملا لشهادة عليا.. كنت تظن وقتها أن عمره قد ارتبط بتخرجك.. كنت تخشى الوقت الذي تتخرج فيه..
يوم أن حملت شهادة التخرج إليه كنت تريد أن تسعده.. لكن قلبك كان يخفق قلقًا.. هل تتحقق النبوءة الآن؟
بالله عليك قل لي.. لماذا تتخرج وأنت تعرف أنك ستفقده بذلك؟
كن سعيدًا إذن.. فقد صرت وحيدًا ياولدي..
اللغز الذي حيّرك لسنوات طوال صرت تعرف حلّه..
لماذا كان يخشى العجوز من إغلاق باب الغرفة عليكما وهو نائم، بينما أنت تبغى الهدوء كي تكتب أو تقرأ أو حتى تنام بعمق؟
حتى لا تعتريه تلك القشعريرة التي تعتريك الآن..
ربما أنت أقوى وأصغر سنًا لذلك تتحملها.. لكنه لم يكن ليتحملها..
تتقافز في ذهني ذكريات أبعد..
مخاوفك وأنت تنام في الغرفة المجاورة له في منزله القديم، وتسللك في الليل لتلقي عليه نظرة تتأكد منها أنه على قيد الحياة.. الصدر الذي يعلو بالشهيق ويهبط بالزفير يخبرك أنه هنا.. وأنك لم تفقده بعد..
الطعام الذي كان يعده كي تجده جاهزًا حين تعود من الكلية.. 
الإفطار الذي كنت تشتريه ساخنًا لتتناولاه سويًا في يوم الإجازة..
لم يكن له ابن ولا زوجة فكنت أنت ابنه الذي لم ينجبه.. فهل كنت بارًا بوالدك؟
تضع رأسك في ذات الموضع الذي شغلته رأسه.. فترتجف..
تتساءل بداخلك عن السبب الذي يدفعك أن تفعل ذلك، لكنك -حقًا- لا تعرف..
حتى هذه الكلمات..
لا تعرف لماذا تكتبها.. ولمن تكتبها..
هل هي رثاء؟ هل هي ما كنت تريد كتابته؟
لست أعرف إطلاقًا..
أتذكر فقط حين اشتد مرضه يومًا منذ فترة قصيرة.. وظللت ساهرًا إلى جواره أمرّضه، فأغفو بين الفينة والأخرى، ثم أفيق.. ثم أغفو.. فيطلب مني ألا أنام..
"متسبنيش وتنام لحسن أتعب لوحدي ومحدش ينجدني"
"متسبنيش"
"متسبنيش"
وتتردد الكلمة في عقلي بلا نهاية.. لا تتوقف لحظة..
لكنني تركته وذهبت.. 
وحين عدت، كان هو قد ذهب وتركني..
جلست إلى جواره أربت على جسده الهامد.. الجامد.. البارد.. فأسمع الكلمة تتردد من جديد..
"متسبنيش"
"متسبنيش"
"متسبنيش"
يغمره الماء في الصباح فتنفرج أجفانه عن حدقتيه الخاويتين من الحياة.. فأجدهما مثبتتين عليّ.. وتتردد الكلمة..
"متسبنيش"
"متسبنيش"
"متسبنيش"
 أحمله مع الحاملين وأضعه في صحن المسجد.. أجلس إلى جواره.. أربت على جسده الذي لم يعد ظاهرًا.. أضع ذراعي حول كتفه.. وبعد صلاة الجنازة أرتدي حذائي بسرعة وأندس في السيارة إلى جواره.. تتردد الكلمة مجددًا بضراوة أشد..
"متسبنيش"
"متسبنيش"
"متسبنيش"
"متسبنيش"
ألف ذراعي على كتفيه.. أخي يقرأ القرآن في الجهة الأخرى.. نمسك به جيدًا حماية من الاهتزازات.. أنظر في وجهه المختفي تحت الكفن.. فاكاد أراه ينظر لي ويتمتم بسرعة أكبر..
"متسبنيش"
"متسبنيش"
"متسبنيش"
أجد نفسي أتمتم بصوت لم أسمعه بنفسي..
"مش هسيبك"
يتناوله ذلك الرجل الذي لا يعرفه ولا أعرفه، ويدسه في الأرض التي فتحت فاها للجسد المخلوق منها والعائد إليها.. ينهال عليه بالتراب، فأقبض على حفنة منه وألقيها إلى جواره من هنا ومن هناك.. وتزداد الكلمة ترددًا في ذهني.. تنهمر دموعي بلا توقف ويرتفع نشيجي.. يُغطى القبر بألواح الخشب لوحًا تلو آخر..
"متسبنيش"
"متسبنيش"
يحاولون إبعادي بينما لا أستجيب لهم.. قدماي لا تستجيبان..
لا أعرف من يصافحني ومن يعزيني ومن يشد من أزري..
أبي يحتضنني ويطلب مني أن أكون قويًا.. أنا لا أريد أن أكون قويًا.. أنا فقط أريد لهذه الكلمة أن تتوقف.. لا أريد أن أتركه..
يبعدونني رويدًا.. أنظر خلفي وقد أغلقت الأرض أبوابها.. 
أقول بهمس: مش هسيبك..
ثم أتذكر حين أخرج من باب المدافن أنني لم أقل إن شاء الله..
وأنني لم أتعلم الوفاء بوعدي له.. 
وأنني لن أتعلم ذلك..

****

لا تزال هناك كلمات محشورة لا تعرف طريقًا للظهور..
لكنها قد تخرج حين تجد الفرصة التي وجدتها كلمات اليوم..








الخميس، ٢٥ أغسطس ٢٠١١

الرجل الذي أنزل العلم

كاريكاتير عن واقعة إنزال "أحمد الشحات" لعلم إسرائيل من فوق السفارة الإسرائيلية
بريشة: كارلوس لاتوف


مقال جديد على مجلة بص وطل بتاريخ 25 رمضان/ أغسطس - 1432/ 2011 بعنوان:


لا ريب أن من أهم أسباب تدهور حالة حديقة الحيوان بالجيزة، هو ذلك الهواء الفاسد الذي ينتشر في المنطقة بسبب السفارة الإسرائيلية وعلَمها، الذي كان يرفرف في سماء مصر حتى فجر الأحد 21 أغسطس، ولا أعرف لماذا توجد سفارتهم أمام حديقة الحيوان؛ برغم أن مكانها الصحيح هو داخل الحديقة إلى جوار بيت الزواحف وأقفاص الشمبانزي!!

في انتظار آرائكم
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...