كانت الحياة تسير بشكل طبيعي.. مشكلات مكررة ومعروفة.. ضحكات على دعابات ليست بالجديدة، لكنها لا تزال مضحكة، لتعلقها بذكريات كثيرة.. نوم واستيقاظ وتكرار روتيني لساعات اليوم بكافة تفاصيلها..
ثم ينقلب كل شيء بغتة.. تنفجر قنبلة تجعل الحياة تتغير فجأة.. تشعر أن ما قبل القنبلة لن يعود مرة أخرى.. وما بعد القنبلة هو نظام جديد عليك أن تعتاده وتحفظ قواعده الجديدة..
المشكلات تغيرت.. الضحكات صارت مخنوقة لأن ذكرياتها صارت ممقوتة.. الروتين تغير ما عدا النوم والاستيقاظ..
لقد تغير كل شيء بالفعل..
هناك غصة كبيرة بحلقك.. تعرف أنها لن تزول بسهولة.. إن زالت ستترك مكانها أثرًا لا يُمحى.. كأنها ضربة تلقيتها في جبهتك واحتاجت بعض الخياطة.. ستزيل الشاش والقطن لتجد أن مكانها علامة سيراها الكل.. ستراها أنت كلما وقفت أمام المرآة تصفف شعرك أو تحلق لحيتك التي تنمو بسرعة غريبة.. ستراها حين تذهب لالتقاط صورة جديدة عند ذلك الستوديو الذي ينجح في إخفاء أي شيء بالفوتوشوب.. لكن حتى هذا الأخير لا يمكنه إزالتها..
التفكير تغير.. ما كنت تعتبره قبل القنبلة خطًا أحمر لن تتعداه.. أصبحت تتعداه بسهولة وعن رضا تام..
ما كنت تعتقد أنه مستحيل الحدوث، صار بالنسبة لك ممكنًا.. بل صار هو الممكن الوحيد بلا ممكنات أخرى حوله..
حين جلست أمام البحر وحدي عاقدًا قدمي فوق بعضهما، والليل يتوغل في العمق، رأيت حياتي تمر على صفحات البحر الذي تتجدد امواجه كل دقيقة..
الموجة الأولى حملت وجههي الطفل.. الابتسامة البريئة واللمعة التي تطل من العينين تحمل حماسة للمستقبل المجهول..
الموجة الثانية ارتسم فوقها وجه المحبوبة التي صارت مستحيلة.. وكان من الطبيعي أن تكون الموجة الثالثة هي تداعي الذكريات وتشكيل الأمكنة ورسم ملامح عمر مضى..
وتوالت الأمواج تحمل كل منها ملمحًا من ملامح الماضي..
ووفقًا للحالة المزاجية وقتها.. كانت الملامح كلها عن القنابل العديدة التي أخذت تغير من منحنى الحياة.. حتى صار المنتهى بعيدًا كل البعد عن المبتدى..
حين تختار الشرق.. ثم تجبرك الظروف على المضي قدمًا للشمال.. قبل أن تأتي ظروف أخرى تدفعك للجنوب.. بعدها تجبرك قنبلة أخرى على سلوك مسلك الجنوب الغربي.. وتتوالى القنابل وتغير المسالك.. لتجد نفسك تندفع في اتجاه لا تعرفه.. ربما اتجاه جديد غير الاتجاهات الأصلية الأربعة وأربعتها الفرعية..
وقتها تعرف أن الحياة تغيرت..
أن اتجاهاتك التي رسمتها من قبل قد ارتبكت.. أن عليك الانتباه للاتجاهات الجديدة كي لا تضل الطريق.. تضل وتجد نفسك في مكان غريب لا تعرفه.. بسلوكيات جديدة لم تعهدها في نفسك.. بأفكار مستحدثة احتلت عقلك بعد أن طردت أفكارك القديمة ووقفت على أبواب عقلك تمنع عودتها بالقوة..
لكنها لن تمنع تلك الجملة التي ستتردد في تفكيرك الجديد، لأنها مصدر قوتها واستمرار احتلالها..
أن حياتك لم تعد كذلك..
*******
شكرًا للعزيز أحمد يحيى الذي أعادتني تدويناته للكتابة هنا بعد كل هذه الشهور..
هناك ٦ تعليقات:
بجد ياعمرو.. فيه شيء هزني بقوة من الداخل.
ليست الهزة كأي هزة.. بل هي أقرب ليد عملاقة تعتصر القلب مزلزلة إياه..
تدوينتك هذه المرة ليست كأي تدوينة.
في انتظار جديدك.
أول مرة أرد على تدوينة
بس المرة دي أجبرتنى عاى الرد
المرة دى وكالعادة
تدوينتك نكدت عليا
قصدى اثارت شجونى...وفكرتنى ووصفت حاجات جوايا بالضبط
وصفت الضحكات وذكرياتها...وصفت الخط الاحمر اللى بقى اضر وبيعدى اى حاجة
وصفت كل صفحة عملتها فى حياتى
بس ياخسارة ماعنديش بحر علشان اشوف على صفحاته ...مين اللى فجر قنبلتى
تدوينة اكتر من رائعة...وربنا يصبرك ويقويك على مرحلة مابعد الانفجار
دادوش
عمرو رفيق العمر ..
لطالما كنت امتلك دائما ما اقول .. كلما قرأت واحدة من كتاباتك ..
للمرة الاولى ..
للمرة الأولى لا يملك لساني القدرة على النطق ..
يكتفي بمواساة القلب .. والأسى ..
والدموع ..
ساكتفي هذه المرة بالقراءة ..
والشعور بأننا نحن الذين لم نعد كذلك ..
ولن نعود ..
مهند
بوست عميق..
حزين..
لكنه رائع...
تقبل مروري
عارف نفس فكرة
مسير ومخير
اجبار ولا طواعية
لا فى كل الحالات تجدنا نسير
منا يتوقف ليعيد حسابته ويحدد خياراته ويحاول ويقاتل حتى يحققها
ومنا من يستسلم
ويذهب يمين يسار
وحتى فوق وتحت دون ان يتوقف او حتى يتذمر
تحياتى
إرسال تعليق