فقط
في مصر –وربما في العالم العربي- وفي مجتمع مثل مجتمعنا، يكون الحدث "الوحيد"
الذي يسيطر على العقول، رغم الأحداث -أو الكوارث- المحيطة، هو قيام فتاة بنشر
صورتها عارية على مدونتها "الشخصية" بدعوى الحرية!
وإن
كان هذا الفعل هو نوع من أنواع تحدي المجتمع أو تحدي أفكاره المنغلقة، فإنه لا
يوصف إلا بفعل "أحمق" لا يراعي الظروف الحالية، ولا التغيرات التي تجري
على الصعيد الاجتماعي والسياسي، بل هو أشبه بمن ألقى بنفسه في مواجهة قطار مسرع
بحجة تصحيح مساره، فقط لأن القطار يسير –من وجهة نظره- في الاتجاه الخاطئ!
فقط
في مصر، ومع صحافة لا تأخذ من المهنة سوى اسمها، ومع إعلام لا يصطاد إلا في المياه
العكرة، تكون قصة الفتاة العارية هي قصة الساعة: هل هي تنتمي لـ 6 أبريل أم لا؟ -مع
إبراز اسم 6 أبريل بخط عريض كبير وكتابة "أم لا" بأصغر خط
ممكن- هل هي حرة في عرض جسدها أو إخفائه؟ وما هو حكم الدين –أو حكم قناة الرحمة- في
كشفها لجسدها؟ أما قصة "سميرة إبراهيم"، الفتاة الصعيدية الجدعة، التي
فضحت المجلس العسكري في قضية كشف العذرية، وتحدثت بكل شجاعة دون أن تخشى أحدًا، لا
تحظى ولو بنصف عمود في جريدة يرأس تحريرها من أدمَن لعق أحذية الكبار، أو لمدة خمس
دقائق في برنامج "توك شو"، يقوم على إدارة الحوار فيه وجه كالح لا يكلّ
من إبراز دور المجلس في حماية الثورة!
يمكنك
مشاهدة فيديو سميرة إبراهيم من هنا:
فقط
في مصر والعالم العربي، يزور الشعب –المتدين بطبعه- مدونة الفتاة العارية، رغم
التحذيرات من محتوى المدونة غير المناسب، ويسجل الفيديو الخاص بها 2 مليون مشاهدة،
في مقابل بضع عشرات الآلاف مشاهدة لفيديو "سميرة إبراهيم"، ويشاهد أكثر
من مليون آخرين فيديو لدخول مسيحي في الإسلام، بينما لا يشاهد ربعهم فيديو آخر
لدخول مسيحي تحت عجلات مدرعة جيش أمام ماسبيرو!!
فقط
في مصر يتهم الشعب –المتدين بطبعه- المحصنات من النساء والفتيات في أعراضهن إذا ما
قالت إحداهن أنها كانت في التحرير، تنام في البرد لتنتزع حقها وحق بلادها، ثم
اعتقلت وعُذبت وكُشف جسدها رغمًا عنها، كما نقرأ في التعليقات على فيديو الفتاة الجدعة
"سميرة إبراهيم"!
بينما
يتابع بكل نهم –نفس الشعب المتدين- مسلسل أو فيلم الفنانة العظيمة التي تغطي جسدها
ملتزمة بقانون الحد الأدنى من الملابس، بعد أن سمعها بأذنيه خلال الثورة تؤيد
وتبايع وتبكي الرئيس الأب والزعيم الرمز صاحب الضربة الجوية! ترى هل كان اسمها
غادة عبد الرازق؟
فقط
في مصر تصبح "نوارة نجم" عميلة، و شباب 6 أبريل خونة، والبرادعي سبب
خراب العراق، و"بلال فضل" نذير شؤم، و"علاء الأسواني" قليل
الأدب، بينما يرتفع الصوت المؤذي للنكرات صنيعة عصر الظلام، إما دفاعًا عن المجلس
عبر قنوات الفلول الفضائية -راجعوا CBC ولميس الحديدي كمثال- أو بالدعاء والمبايعة له فوق كل منبر، حتى
انتهت المنابر فكانت البيعة من فوق جبل عرفات (سامعني ياشيخ حسان)؟! أو تأييدًا وتأسفًا
للرئيس عبر شخصيات عنكبوتية زبايدرية مخنثة أو مهووسة بنظريات المؤامرة والفوتوشوب،
أو شتمًا في الثورة والثوار من سيدة نجحت من قبل في تجميل صورة الملك فاروق، لكنها
تجد صعوبة مرحلية في تجميل صورة المخلوع، وهي "لميس جابر" بدون ذكر
أسماء!
ملحوظة: هل هي مصادفة أن تكون هناك سيدتان من الفلول تحت اسم:
لميس؟
فقط
في مصر يُحاكم قتلة الثوار أمام المحاكم الطبيعية للنزاهة والشفافية الكاذبة، ويتم
التأجيل شهرًا بعد شهر لسماع الشهود –أو ربما أملا في موت الشهود أولا- بينما
يُحاكم الثوار أمام المحاكم العسكرية لأن منهم من دفع روحه دفاعًا عن حقه ولا يزال
يُحاكم وهو في قبره، أليس كذلك يامينا دانيال؟ ومنهم من نزلت للشارع في وقت كان
فيه رجال، لم ينالوا من رجولتهم سوى الأسماء -بينما حفظت هي بداخلها كل الأسماء،
فكانت (أسماء محفوظ)- يقبعون على الأرائك متكئين خائفين على "استقرار
البلد"، ومنهم من قال "لا" ولم يخش في الله لومة لائم! وبهذه
المناسبة أقول: الحرية لعلاء عبد الفتاح ولأكثر من ثلاثة عشر ألف مصري مسجونين أو لا
يزالوا يحاكمون أمام محاكم عسكرية.
فقط
في مصر تقوم ثورة، فيتحدث عنها العالم أجمع، ويتبعها الشباب ويتخذونها قدوة، ثم
يتغنى شباب العالم بأغاني الثورة التي صنعها الشباب –الثورة والأغاني على حد سواء-
وبعدها يخرج شباب أوروبا وأمريكا بشمالها وجنوبها في مظاهرات عارمة يشكرون فيها
المصريين، ويكتبون على ميادينهم أنها "ميدان تحرير" جديد، بينما داخل
مصر تجد الغالبية تشتم في الشباب وثورتهم التي ما جلبت إلا الزعزعة والانفلات
الأمني، وتجد إعلامها لا يلتفت لإنجازات هؤلاء الشباب الفنية أو الثقافية أو
السياسية حول العالم، بل يكتفي بإنجازاته الجسدية خاصة لو بدون ملابس!
في
مصر لا يتمكن كثير من الناس من الحياة بشكل كريم، لا يجدون ما يأكلونه، لا يجدون
مياه نظيفة ولا بيوتًا تأويهم إذا ما اشتدت الرياح وسقط المطر.. وفي الناحية
الأخرى لا يكف اللغط من رجال الدين ورجال السياسة ولا يكف الخناق حول إسلامية أم
ليبرالية أم مدنية أم برية أم بحرية أم ملوخية.. الناس لن تأكل دين ولن تلبس
ليبرالية ولن تستحم بالمدنية..
في
مصر لا تزال العقول المتحجرة التي شاخت تريد أن تتحكم في مجريات كل الأمور، مهدرة
طاقة الشباب الذين غيّروا وجه العالم في 18 يوم فقط، فيتكلمون بذات النبرة البطيئة
الميتة إكلينيكًا من سنين، ويتباهون بالقوانين وتطبيق القوانين، وما هي إلا قوانين
وضعت في العهد المباركي الأغبر فكيف نعترف بها وبشرعيتها وهي أتت من مجالس
برلمانية فاقدة الشرعية والنزاهة؟
الآن
يحكم القضاء الإداري للفلول بحق الترشح لمجلس الشعب.. وبالبلدي كده لو دي ثورة بجد
مكنش كلب منهم بأة له صوت يطلع يهوهو بيه.. وكان زمانهم مستخبيين في جحورهم خايفين
يطلوا براسهم لتطير.. دي هي الثورة اللي بجد!!
لن
نسمح لكم بقتل أحلامنا في بلد أنظف وأكثر حرية وديمقراطية وعدالة اجتماعية بين كل
الطبقات، لن نسمح لكم باغتيال أحلامنا كما اغتلتم أحلام آبائنا خلال حكم العسكر
المشئوم..
إن من
يصدق أن المجلس العسكري لا يريد السلطة ويهدف إلى تسليمها فهو واهم، لقد كان مبارك
يقول نفس الشيء عن التوريث، لكن الملصقات كانت في كل مكان، وكأنه أمر واقع.. لكننا
وقفنا من قبل وأسقطنا مشروع التوريث وأسقطنا الوريث وأسقطنا أبا الوريث نفسه.. ولن
يكون صعبًا علينا أن نسقط المجلس بعد ذلك..
فقط
انبذوا عن عقولكم جسد الفتاة العارية، فمن يشاهدها هو ذلك الذي بحث عنها وذهب
إليها بماوسه وكليكاته، ومن شتمها بعد ذلك أولى به أن يشتم نفسه لأنه نظر ولم يغض
بصره، ولنترك الخلق للخالق، لها رب يحاسبها سواء كانت تعترف بوجوده أم لا..
فقط
اهتموا بما يجب أن نهتم به، انشروا الحق ولا تكتموه مخافة حبس أو عدوان، فما ضاع
حق وراءه مُطالب، وما مات أحد دون حقه إلا وهو شهيد ولا نزكي على الله أحدًا..
وللمجلس
العسكري أقول: انتهى وقتكم وحان الآن صوت الحرية حسب التوقيت المحلي لجمهورية مصر
العربية الحرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق