دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

السبت، ١٧ ديسمبر ٢٠١١

ردًا على مقال د. أحمد خالد توفيق في التحرير: عزيزي محمد فتحي!



أسطورة الوزير العائد والحواوشي المسموم والجيش المعصوم!

يمكنك أولا قراءة المقال من هنا:

http://tahrirnews.com/%D9%85%D9%82%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%AA/%D8%B9%D8%B2%D9%8A%D8%B2%D9%89-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D9%81%D8%AA%D8%AD%D9%89/

هناك لحظة قدرية تُجبرك على أن تختلف مع أستاذك، حين تكتشف أنك لا تتفق معه على طول الخط، ويُصبح الرد أشبه بالسير في حقل ألغام، بل أشد من ذلك، حيث قد تُظهر بعض الشدة حتى لا تُتهم بالمحاباة، فيكون هجومك لاذعًا وحادًا فوق ما يحتمل الأمر، أو العكس تمامًا فلا يصل مرادك وأيضًا تُتهم بالمحاباة في النهاية.
كل هذه الثرثرة كانت خواطر دارت بخلدي حين قرأت مقال د. أحمد خالد توفيق بجريدة التحرير يوم 12 ديسمبر الجاري، بعنوان "عزيزي محمد فتحي"، والذي تحدث فيه عن أمور عديدة وجدتني أختلف معها تمام الاختلاف، ودفعتني دفعًا لكتابة رد يُفند بعض ما جاء في المقال وليس كله بالطبع، هذا يعني أنني على ضفاف حقل الألغام الآن وسأخوضه بكامل قواي العقلية!
حين يتحدث د. أحمد خالد عن المجلس العسكري، فيبدو واضحًا للعيان أنه ليس من مؤيديه، إنما يرى أن للمجلس أخطاء بعينها أهمها: التباطؤ والتلكؤ، وهذه الأخطاء كانت هي الاتهامات الموجهة للمجلس بالفعل في الزمن السعيد الذي كان أكثرنا يؤمن فيه بأسطورة "الجيش والشعب إيد واحدة" والتي أصبحت بمرور الزمن إلى"الجيش يضرب الشعب بإيد واحدة" ثم إلى "الجيش والشرطة إيد واحدة" وخرج الشعب من الحسبة.
لكن الآن لم يعد خطأ المجلس هو التباطؤ، دهس المتظاهرين بالمدرعات أمام ماسبيرو لم يكن تباطؤ، سجن النشطاء السياسيين والشباب ومحاكمة المدنيين عسكريًا وبسرعة لا نظير لها لم يكن تباطؤ. الاعتداء على أهالي الشهداء ومصابي الثورة في أول أيام رمضان ومطاردتهم حتى صحن مسجد عمر مكرم لم يكن تباطؤ. دخول ميدان التحرير يوم الأحد 20 نوفمبر وتكويم القتلى في الزبالة، والاعتداء على فتاة وخلع حجابها لم يكن تباطؤ، ربما كان التلكؤ الوحيد في الأمر هو سكوت المجلس أربعة أيام على المعركة الدائرة بمحمد محمود بين الثوار والأمن المركزي رغم تواجد قوات للجيش هناك، أملا في إبادة الثوار بأيدي الشرطة دون أن تنغمس أصابع الجيش في الدماء أكثر من هذا.
لا مبرر لسكوت المجلس على كل هذا العجن الذي كان يستمر ليل نهار بداخل شارع محمد محمود –وقد رأيت هذا بنفسي طوال الأسبوع-، بل إن السكوت هو اشتراك في الجريمة تُسقط عنه شرعية التواجد في السلطة، وهو الأمر الذي اتفق عليه الثوار في ميدان التحرير وفي الإسكندرية والإسماعيلية والمنيا وكثير من المحافظات التي اندلعت بها المظاهرات مجددًا، فهتفنا يسقط حكم العسكر، وهتفنا بالرحيل الفوري، الذي ما إن يسمعه أحد حتى يصيح: "ومين يمسك البلد؟ والمجلس يمشي يروح فين؟" بينما لا يرى أحد أهمية لتلك الدماء التي سالت ما بين إصابات وشهداء. وإذا بالمجلس الذي فقد شرعيته –يمكن التأكد من ذلك بعمل كشف شرعية للمجلس- يستجيب للمظاهرات بما لم يكن مطلوبًا الآن، فأقال عصام شرف وأتي بالجنزوري الأسطورة العائدة من عصور مبارك، وهنا أعود من جديد لمقال د. أحمد حيث كتب نصًا:
لنتذكر أننا نخطئ أحيانًا في اختياراتنا.. ألم يأت عصام شرف من الميدان وباختيار الثوار؟"
لم أقرأ هذا الكلام أو أسمعه للمرة الأولى، فكلما طالبنا برحيل عصام شرف، الذي شهدت وزارته كوارث دامية نعرفها عن ظهر قلب، خرج من يقول لنا: مش ده اللي انتوا اخترتوه؟
الحقيقة أنني أستعجب من النسيان بهذه السرعة، فنحن لم نختر عصام شرف لرئاسة الوزراء، لقد كنا نطالب بسقوط شفيق، وربما كانت هناك أصوات من داخل الميدان تطالب بعصام شرف كاسم من ضمن الأسماء المقترحة، لكنني ما سمعت عنه كبديل أساسي ورسمي من داخل الميدان بأغلبية ساحقة، وفي ليلة وضحاها وبهجمة انتحارية من د. علاء الأسواني سقط شفيق، وعين المجلسُ د. عصام شرف!! أما الثوار فقد باركوا هذا الاختيار ومنحوه الشرعية بمؤازرتهم إياه. إذن من اختار من؟!
والآن وأنا أكتب هذا الكلام أجد اعتصام مجلس الوزراء يتعرض لمحاولة تسميم من بداخله بدون أن نعرف من وراء هذه المحاولة، ثم يتعرض لفض غير مباشر بالقوة في الليلة التالية لليلة التسميم.. وفي صباح الجمعة ينقض الجنود البواسل "خير أجناد الأرض" ليطيحوا بالشباب ويسحلوا الفتيات ويضربوا العجائز والأطفال ويقتلوا شيخ أزهر وطالب طب وشابًا في السادسة عشرة من عمره.. والآن أيضًا يقتحم الجيش ميدان التحرير صباح السبت ليحرق خيام المتظاهرين ويطاردهم ضربًا وسحلا حتى ميدان عبد المنعم رياض، رغم أن من في التحرير فتحوا الطريق للمرور منذ أسبوع وصاروا "على جنب وفي حالهم"..
تقول ياأستاذنا في نهاية مقالك:
"أراك من مربع مقالتك تنظر إلىّ نظرتك الجانبية الثاقبة.. أنت مهذب جدا وابن ناس، لذا تفضل أن لا تقول ما تريد قوله. سمها شيخوخة أو تعقلا زائدا، لكنى أكرر: التشاؤم ليس سياسة صائبة دائما، والتحرير ليس على حق دائما.. فلنعط الجنزورى والانتخابات فرصة ولنر".
ولست أدري على أي أساس تطالبنا بإعطاء الجنزوري فرصة، فهي مطالبة مجحفة تذكرني بمقولة: أعطى من لا يملك لمن لا يستحق. حينما يطالب أحدهم بإعطاء الجنزوري فرصة، والمجلس فرصة، فليعطها من دمائه هو، لكن أن يعطي الفرصة لهم كي يقتلوا المزيد من الشباب المعتصم هناك؟

أستاذنا العزيز: بعد ما حدث يوم الأربعاء من تسميم للمعتصمين، ثم ما بين الخميس والجمعة من ضربهم وقتلهم، أرى أنكم أعطيتم "أنتم" الجنزوري فرصة، ليفعل بنا كل هذا وهو من أدلى بتصريح أنه "يعد" بعدم فض الاعتصامات بالقوة، وأنتم لا زلتم تصدقون وعودهم.. تخاذلتم بتعقلكم "الزائد" وطموحكم الذي يرى أن ما حدث هو "فضل ورضا" والآن يُسحل الشرفاء في الميدان.. أعطيتم الفرصة وانتظرتم لتروا.. وها أنتم رأيتم.. فهل سنسمع منكم من يقول مثلما كان يقول بطلك د. رفعت إسماعيل: "لقد كنت ساذجًا.. ساذجًا"؟؟

بالنسبة لي فقد أشرقت شمس المجلس العسكري من مغربها يوم 19 نوفمبر ورُفع القلم وجفت الصحف ولم تكن هناك وقتها فرصة للتوبة.. فهل آمنتم الآن أن الكافر إذا طلب فرصة وقال يالتني كنت ترابًا.. ثم أعاده الله للدنيا هل يتغير؟ أبدًا ما يتغير!!
تراني دست لغمًا أثناء مقالي هذا؟ نعم.. لقد دست ألغامًا عديدة وليس فقط واحدًا.. فلم يعد هناك مجال لتفادي الألغام لأنها صارت كثيرة وفي كل مكان..

ليست هناك تعليقات:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...