دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الجمعة، ١١ مايو ٢٠٠٧

المحارب و الحسناء الحزينة- واحد

يحكى أنه فى تلك الأرض البعيدة، حيث تتناثر الزهور فى الوديان، و تتناطح الجبال و السحب، بينما الفراشات تحلق فوق رؤوس الغزلان.. فى تلك الأرض كان يوجد محارب..
منذ نعومة أظفاره عرف أن مصيره هو أن يكون محاربًا..
تعلم الحق، و عرف القوة، ذاق طعم البأس.. لكنه تعلم أهم درس.. أن القوة بلا حكمة، كجواد جامح فى البرية بلا سرج أو لجام، القوة بدون حق و عدل سيف مسلط على أعناق الأبرياء و الضعفاء..
تعلم أن هدفه فى الحياة هدف مقدس، دونه الموت.. أنه إن لم يكافح لأجله، فإنه إلى غيره سيؤول.. و سيضيع منه إلى الأبد..
هكذا صار يكافح و يتعلم فى الليل و النهار.. يرتشف الحكمة من كل حكيم فى تلك الأرض، و يتجرع القوة على يد كل قوى..
لكن شيئًا واحدًا لم يتعلمه.. فكان نقطة ضعفه.. و مكمن هزيمته..
و فى إحدى الأراضى المجاورة، كانت هناك أرض للحسناوات.. الرقيقات الحالمات.. الهشات كطبقات الثلج المتراكمة فوق أوراق الشجر عند قمم الجبال..
بينهن كانت تلك الحسناء..
حسناء الوجه، رقيقة الملامح.. لكن الحزن كان محفورًا فيها.. يطل من شرفتى عينيها، و ينسكب على وجنتيها مع دمعها البسيط، الذى سرعان ما تقتله أصابعها حين تمسح دمعها..
كانت تخرج فى الصباح تسير بين الأزهار، تتحس أوراقها، و تتحاشى إتلافها.. تسير بين الورود فتشعر أن الورود تنبض بالحياة.. تنبض بالفرحة.. بينما هى تنبض بالحزن و الألم..
و لأنها كانت تسير بين الأزهار كل يوم، فقد تعودت الأزهار و الورود على خطاها.. تأقلمت على وجودها..
إن وجودها كالشمس فى الصباح.. و القمر فى الليل.. كالمطر فى الشتاء.. كالعبير فى الربيع..
لذلك فإن غياب الشمس فى ذلك اليوم جعل البساتين تجزع.. و الأزهار تفزع.. أين ذهبت الحسناء الحزينة ؟!
لم يعرفوا أنها مريضة.. فى فراشها الدافىء.. كغصن شجرة لم يحصل على نقطة مياه واحدة..
و جاءت الحكيمة العجوز، و اختلت بها فى حجرتها، و طالت الخلوة.. طالت و طالت حتى أصبح الخوف و الجزع يمرحان فى الحقول و البساتين و فى خيالات الحسناوات الأخريات..
حتى خرجت الحكيمة بوجه شاحب، و شفاه مرتجفة..
فتهاوت القلوب.. و انهارت الآمال.. و انسكبت الدموع..
لكنها منعتهم من الاسترسال فى المشاعر الخاطئة.. فالشمس و القمر لا يموتان.. و الحسناء ما زالت حية.. لكن مرضها لن يزول.. لأنه لا دواء له إلا هناك.. فى قلب الجبال.. حيث لا إنسان وصل، و لا إنسان نجا.. و لا بشر عاد..
الدواء هناك لكن من يأتِ به ؟!
عادت القلوب تتهاوى من جديد.. الحسناوات قليلات الحيلة.. لم يعرفن فى حياتهن سوى الأحلام الرومانسية، و القلوب المختلجة.. لكن الفراشات تسللن إلى فراش الحسناء الحزينة.. فطفن حول وجهها، ليقررن أنهن لن يقفن متفرجات حتى نهاية العرض..
و سرعان ما ضربت أجنحتهن الهواء فى طريقها إلى هناك.. إلى الأرض التى تتناثر فيها الزهور عبر الوديان.. حيث كان المحارب يجلس على صخرة عالية يرمق الأفق منتظرًا اللحظة التى سيحقق فيها هدفه.. ليجد الفراشات يحمن حوله.. قبل أن تميل إحداهن على أذنه لتسأله المساعدة..
لم يسمع سوى كلمة مساعدة ليهب من مجلسه و يمتشق حسامه، قبل أن يتطلع إلى كوخ كبير الحجم.. لينطلق خارجًا عبر بابه جواد أبيض، أسود الشعر.. فامتطاه بقفزة ماهرة، ليسأل عن وجهة المساعدة..
فطارت الفراشات أمامه.. بينما كان هو خلفها على حصانه يسابق الريح..
حتى توقف أمام دار الحسناء الحزينة.. بينما ترمقه الحسناوات الأخريات فى فضول و هيام..
ترجل، و خطا إلى الداخل.. ليراها نائمة و البراءة و الطهرو النقاء يشعان من وجهها الحزين.. فلم يشعر إلا بالدمع يغرق وجهه، لم يشعر بنفسه و هو يهوى على ركبتيه ممسكًا بيدها..
و حينذاك فتحت الحسناء الحزينة عينيها.. فتقابلت أعينهما.. لتنتقل عبر النظرات كثير من الحروف و الكلمات..
ليشعر بالسعادة تغزو كيانه.. بينما شعرت هى بالأمان فى نظرات عينيه..
الآن أدرك أنه لم يتعلم الحب.. و أدركت هى أنها لن تنعت بالحزينة بعد الآن..
لم يتعلم كيف يخفق القلب.. بينما لم تعرف هى من قبل حبًا كما عرفت الآن فى كنف عينيه..
لم يدرك أن تلك الحسناء الحزينة ستكون ملهمته.. و مأساته..
و لم تدرك هى أن النعت سيظل يلازمها إلى الأبد.. و أن فراق النعت من المستحيل..
طالت نظراتهما، قبل أن تعود لتغمض عينيها مجددًا، ليشعر معها أن روحه قد انطفأت..
فأفلت يديها بصعوبة.. و نهض..
ثم نظرة واحدة إلى الحكيمة.. خرج بعدها يعتلى صهوة جواده.. منطلقًا حيث الدواء المستحيل..
بينما راقبته الحكيمة و هو يبتعد متنهدة..
المسكين لا يعرف مم تشكو الحسناء الحزينة..
المسكين لا يعرف ما سيواجهه.. لا يعرف أن للدواء طريقة واحدة كى يأتى به..
لكن حياة الحسناء الحزينة كانت هدف الحكيمة الأسمى..
***************
إلى اللقاء مع: المحارب و الحسناء الحزينة- اثنين

ليست هناك تعليقات:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...