دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الأحد، ٢ مارس ٢٠٠٨

لما أكبر. !!


تأهب للنوم.. قبله أبوه على جبينه و أحكم ستر جسده بالبطانية الثقيلة.. ربت على كتفه قائلا:

- أحلام سعيدة يا حبيبى..

قفز الصغير مبعثرًا الغطاء و قد أشع وجهه فجأة صائحًا:

- أنا عاوز أروح فلسطين يا بابا.. تعرف يا بابا لما أكبر ؟ هأسافر هناك و أحارب الإسرائيليين و أنتصر عليهم.. أنا مش بحبهم يا بابا علشان بيقتلوا الأطفال.. شفت يا بابا فى النشرة إزاى قتلوا الولد الصغير فى حضن باباه ؟!.. أكيد ربنا مش بيحبهم علشان كده هيخلينى أنتصر عليهم.. صح يا بابا ؟!

دمعت عينا الأب للحظة، قبل أن يربت عليه مجددًا، و يعيده إلى فراشه مرة أخرى، قائلا:

- صح يا حبيبى.. صح.. إن شاء الله هتكبر و تحاربهم و تنتصر عليهم..

رقد الصغير فى الفراش تاركًا أبيه يغطيه كيفما شاء، بينما كانت عيناه معلقة بالسقف الذى صار يعرض أحلامه..

************

قال لأمه و هى ترقد إلى جواره فى الفراش:

- أنا خايف يا ماما..

- من إيه يا قلب ماما ؟!

- خايف من العساكر بتوع أمريكا.. أنا شفتهم فى النشرة و هما بيدخلوا البيوت فى العراق و يخوفوا الأطفال الصغيرين.. دول طلعوا أوحش من الإسرائيلين يا ماما.. لما أكبر هأروح العراق و أحاربهم كلهم و أنتصر عليهم.. أكيد ربنا بيكرههم علشان هما وحشين و هيخلينى أنتصر عليهم..

ضمته أمه فى حنان و قالت:

- أكيد يا حبيبى ربنا هينصرك طالما أنت مع الحق..

انكمش الصغير فى حضن أمه مغمضًا عينيه.. صار يرتجف..

**************

بعد أن غسل يديه ذهب إلى حجرة المكتب.. أبوه يجلس خلف جهاز كمبيوتر يضرب أزراره بشكل متكرر.. دنا منه و قال:

- بابا ممكن أسألك سؤال ؟!

التفت له أبوه مجيبًا:

- طبعًا يا حبيبى.. اسأل..

صمت الطفل كأنما يرتب أفكاره، ثم قال:

- هما العساكر اللى بيضربوا الناس بتوع المظاهرات دول مش بوليس ؟

- أيوه بوليس يا حبيبى..

- طب مش البوليس المفروض بيقبض على الحرامية ؟!.. يبقى كده بتوع المظاهرات دول حرامية ؟!.. بس أنا بأسمع فى النشرة أن العساكر بيضربوهم ظلم.. و فى البرنامج بتاع (عمرو أديب) بيقولوا أنهم بيسحلوهم و يضربوهم.. يعنى إيه يسحلوهم يا بابا ؟!

- يعنى بيجروهم على الأرض و يضربوهم كمان..

- زى ما كنت بأشوف زمان فى النشرة الإسرائيليين بيجروا الفلسطينيين و يضربوهم باللكميات و الشلاليط.. بس ده حام يا بابا.. أنا لما اكبر هأبقى ظابط علشان أمنع العساكر يضربوا الناس و يسحلوهم..

هز الأب رأسه موافقًا، و هو يتساءل بينه و بين نفسه هل كبر صغيره فجأة ؟!

***************

حين دلف الصغير إلى بيته عائدًا من المدرسة كان يبكى.. هرعت الأم مذعورة.. و تساءل الأب فى جزع:

- إيه مالك بتعيط ليه ؟!

خفض الطفل رأسه و هو يتهانف مجيبًا:

- فى ولد أخد مكانى فى التختة بتاعتى و ضرب صاحبى اللى بيقعد جنبى و جره على الأرض.. و أنا معرفتش يا بابا أضربه و لا عرفت أرجع مكانى تانى..

خفض رأسه أكثر.. انهمرت دموعه أكثر.. بينما ضمه أبوه ليهدىء من روعه..

**************

هناك ١٠ تعليقات:

أحمد منتصر يقول...

حلوة أوي :)

تحياتي

من اجل عينيك يقول...

فعلا قصة حلوة .. اللي بيحصل بيننا احنا في حياتنا اليومية هو هو نفسه اللي بيحصل بين اليهود والعرب ..
عمرو موفقه جدا القصة تسلم ايدك
وانا قلت لك كتير ان انت بتكتب نكد جامد وناجح اكتر من الساخر .. بس يمكن العيب الوحيد هي العامية اللي انا مش باحبها وده طبعاً رأي العبد الفقير الى الله أنا بس يعني مش رأي عام .

Ana يقول...

تهنئتى لعملك الجميل ومدونتك الأجمل
تهنئتى كذلك على كتابك المشترك مع الصديق الغالى محمد الدسوقى .

عمرو عز الدين يقول...

أحمد منتصر:

شكرًا ردك، و تواجدك الدائم هنا :)
لا تحرمنا من زيارتك :)


من أجل عينيك:

جمال القصص أن كل من يقرأها يتناولها من زواية ما، و هذا ما حدث معك.. و هذا ما يخلق زوايا كثيرة للقصة ربما لم يكن الكاتب نفسه يتوقعها..

أما العامية فإنها تفرض نفسها فقط.. إن لم يكن لها داعى لاستخدمت الفصحى فى الحوار :)

و شكرًا لرأيك المقبول دومًا :)


العزيز إيهاب رضوان:

لشد ما أفرحنى ردك هنا، و سعيد للغاية أنك تقرأ لى.. و أنا الذى كنت أتمنى أن أقرأ لك منذ أن قرأت اسمك فى كوكتيل 2000 مقرونًا بالتوت المحروق :)

خالص شكرى لمرورك و ردك، و أتمنى أن تكون قد حصلت على الكتاب المشترك مع العزيز جدًا محمد الدسوقى، لتخبرنا برأيك المنتظر فيه :)


خالص تحياتى

Ophelia يقول...

جميلة جدا يا عمرو .. تستحق تعليق مطول .. لكن أحيانا يُشل اللسان و يعجر عن إيجاد الكلمات ...

أسماء علي يقول...

قصة جديدة ياعمرو ..
فيها الوجع ..
رائعة جداا ...
حسستني ان الحياة بتعيد نفسها ب صور مصغرة وبس ...
...
دام ابداعك يا عمووور

أيامنا الحلوة يقول...

حقيقى هو دة السهل الممتنع
قصة غاية فى السلاسه والعمق فى نفس الوقت
انها تلخيص كامل لاحاسيس جيل جديد مختلف يبحث مبكرا وراء الاشياء والاحداث والحقيقة فى زمن اختلطت فيه المعانى والمواقف فالشرطة التى تتعامل مع المتظاهرين كما يتعامل الاسرائيلين والامريكان المعتدين مع اصحاب الارض والحق موقف يطرح مئات الاسئلة فى وعى وادراك طفل يبحث عن معنى الاشياء

اسمح لى ان اتابع مدونتك باستمرار وبالتوفيق دائما

dreamer يقول...

فلاشات رائعة بالفعل يا عمرو
اسلوبك جميل وبسيط وقوي ومرن .
مرحبًا بك في النادي .

عمرو عز الدين يقول...

الأخت العزيزة أوفيليا:

شكرًا لتعليقك و إطرائك، لا تحرمينا من زياراتك :)


د. أسماء على أديبة الطب الجديدة:

رؤية جديدة للقصة، دامت زياراتك و تعليقاتك و موهبتك :)


أيامنا الحلوة:

حللت أهلا و نزلت سهلا :)
يشرفنى أن تتابع مدونتى باستمرار، و يشرفنى أكثر أن تملؤها بآرائك الهامة..
الطفل لم يعد يعرف أين الحق و أين الباطل فى عالم ازدوجت معاييره.. و صار الجميع فيه ينظرون للأشياء بنسبية.. حتى أصحاب الموقف الواحد لم يعودوا يقدرون.. فهل يفعلها طفل ؟!


dreamer:

نورت المدونة، و أشكرك كثيرًا على تعليقك.. يشرفنى الانضمام للنادى :)

غير معرف يقول...

جامد

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...