دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الجمعة، ٢٩ أغسطس ٢٠٠٨

فيرتيجو.. البساطة و الإثارة و المتعة


تأخرت كثيرًا في الكتابة عن رواية (فيرتيجو) للكاتب الشاب (أحمد مراد)، و التي قرأتها منذ ما يزيد عن الأشهر الخمسة، و ما كان تأخري هذا إلا بحثًا عما أكتبه في حق هذه الرواية التي أنهيتها في بضعة أيام، و لولا الانشغالات لكنت أنهيتها في بضع ساعات..
قرأت الطبعة الثانية و لم أر الأولى إلا بعد انتهائي منها، و قلت لكل من قابلته وقتها أن هذه الرواية تصلح بشدة فيلمًا سينمائيًا، ثم فوجئت بأن الطبعة الأولى تحمل وصفًا للرواية ربما أراه للمرة الأولى، و هو: (رواية سينمائية)، فقلت بيني و بين نفسي (طلعت بتفهم يا واد يا عمرو)
تبدأ احداث الرواية بالمصور الشاب (أحمد كمال)، الذي يعمل مصورًا للأفراح، و الذي ينهي عمله في إحدى الليالي و يذهب لصديقه شبه الوحيد (على حد وصف الرواية) البيانيست (حسام منير) في بار (فيرتيجو)، ذلك البار الذي يستقبل صفوة رجال المجتمع، لتتغير حياته بعدها حينما يشاهد بنفسه من موقع خفي وقوع جريمة قتل لرجلين من رجال الأعمال المشاهير في المجتمع المصري مع حراستهما بيد مجموعة من القتلة المحترفين، كما يشهد بعينيه مصرع (حسام) صديقه.. لكنه لم يكتفي بالمشاهدة فقط، بل جعل كاميرته تشاهد معه الحدث، و إن اختلفت عنه في أنها تحتفظ بما تراه في ذاكرتها، و تعرضه وقت اللزوم أما هو فلا..
هكذا يأخذك (أحمد مراد) إلى داخل الأحداث و يجتذبك للمتابعة كي تعرف من أولئك القتلة، و لماذا فعلوا ذلك.. لكن عبر رحلة طويلة امتلئت بالإثارة، و الشجن و الترقب و الضحك و التفكر.. يأخذك في رحلة إلى عالم قد لا تراه في حياتك كثيرًا، أو تراه من الخارج فقط، حياة البارات و الكباريهات التي يرتادها أثرياء المجتمع و كباره و رجال حكومته بل و رجال معارضي حكومته، لتنكشف أقنعتهم و تزول ابتساماتهم الرصينة ليبدو وجه القبح و ابتسامات الرغبة، و تفهم تلك العلاقات الشبكية المترابطة بين أناس تراهم على شاشات التلفاز أو صفحات الجرائد يعلنون كيف يعملون لمصلحة البلد و ما فيها و من فيها.. يأخذك في قصة حب رقيقة، في علاقة أسرية يكسوها الحزن و تملأك بالشفقة..
لا يمكن بأية حال من الأحوال أن تلخص هذه الرواية في مقال أو في كراس 40 ورقة حتى، فهناك تفاصيل مهما حاولت اختصارها ستجد أنك نقلتها في النهاية كما هي..
لو أنك لا تعرف أن كاتب الرواية مصور فوتوغرافي في الأساس، فستقرأ الرواية و تمر بشخصيتها الرئيسية (أحمد كمال) دون أن تلحظ الشبه بينه و بين (أحمد مراد)، ليس في الاسم طبعًا، و لا في الأحداث ربما، لكن من زاوية أن كل منهما مصور.. و حين تعرف ذلك تبدأ في الشك، هل نقل (أحمد مراد) بعض مشاعره و أحاسيسه للورق و لشخصيته الرئيسية ؟ هل هذا هو السبب في تصوير مشاعر بطله و انفعالاته بهذه الدقة ؟
أسلوب (أحمد مراد) بشكل عام في هذه الرواية أسلوب سلس جدًا، بسيط للغاية، فلو قرأ الرواية طالب في الإعدادية لفهمها و أعجب بها و أكملها للنهاية، فهي لا تعتمد على لغة صعبة أو تشبيهات ملتفة، بل تأتي لغتها واضحة دارجة فصحى مطعمة بالعامية في المواقف التي تستدعي ذلك كما في الحوار كله على سبيل المثال، و تأتي التشبيهات في غالبيتها مبتكرة مثيرة للضحك و السخرية، ربما يتقبلها البعض و ربما يرفضها البعض الآخر متعللين بالخروج عن الجو العام للرواية و تشتيت الذهن، لكنني - كرأي شخصي - رأيتها جيدة و ساخرة لأقصى حد، أذكر منها (تجذب معها الأدمغة كأنها حجر المغناطيس في مواجهة جيوش برادة الحديد - ص 95 - ط 2 ) و (و إذا بتسونامي من النعناع المخلوط بأبي فأس يجتاح ضلوع أحمد - ص 260 - ط 2 ) و كثير غيرهما..
الشخصيات في الرواية تشعر أنك تعرفها و تراها حولك - عدا تلك الشخصيات الغارقة في عالم الليل - و ستبدأ في ملاحظة تلك الشخصيات من الصفحات الولى مع شخصية (حسام منير) البيانست في بار فيرتيجو، مرورًا بالمصور العجوز (جودة) الذي يصبح يومًا ما بمثابة والد لأحمد كمال، فيعلمه خبايا الدنيا، و أسرار عالم الليل في تلك الملاهي الليلية، ثم (آية) الأخت الصغرى لأحمد كمال، التي تشعر نحوها بمزيج من الإشفاق و الغضب، إشفاق كونها مغلوبة على أمرها، غضب كونها مستسلمة و لا تريد التغيير.. و انتهاءًا بالشخصية الأروع في تلك الرواية.. (غادة) التي استحوذت على قلب أحمد كمال فأحبها و ظل يحاول أن يكسب ودها بكافة الطرق، خاصة و أنها فتاة محترمة جدًا و وجد فيها ما لم يجده في أي فتاة أخرى، كما تعد هي الصورة المعادلة البيضاء لصورة أولئك الفتيات في الملاهي الليلية و البارات..
من المشاهد التي رسمها أحمد مراد بقلمه في الرواية و تركت بي أثرًا كبيرًا، مشهد جمع بين البطل أحمد كمال و أخته آية، حين علم أن زوجها المتشدد قد تزوج عليها صديقتها، بينما يتركها تعيش هي في منزل والدتها الذي صار منزل زوجها (الذي حتمًا ستكرهه و أنت تقرأ الرواية) و حين اكتشف كذلك مهتنها الجديدة التي تمتهنها كي تتمكن من العيش، لم يكن كل هذا هو المؤثر طبعًا، بل حينما غادر الشقة غاضبًا، لتجلس هي على الأرض مستندة لباب الشقة باكية في مشهد قد تدمع عيناك معه، ليعود و هو و يدس ورقة مالية من أسفل الباب فتمد يدها من الداخل و تلتقطها في صمت باكي لتضعها في محفظتها أسفل صورة شخصية لأحمد.. هذا المشهد لا يمكن تخيله إلا على شاشة سينما، به كم كبير من المشاعر و التحولات في شخصية آية، التي كانت في البداية مقتنعة تمامًا بصواب ما يفعله زوجها، و بأن أموال أخيها حرام (و صراحة لي تحفظ على تلك النقطة، حيث أن العمل كمصور في ملاهي ليلية يحمل كثيرًا من الشبهات لكنني لست برجل دين كي أحكم عليه بنفسي) و بأن التصوير في حد ذاته أيضًا حرام، ثم ينكسر ذلك الاقتناع مع بعض التردد و التمسك الواهي به، بعد أن يتزوج عليها تلك الصديقة، و هو ما يبدو جليًا في الحوار مع أخيها في هذا المشهد الجميل و المؤثر جدًا..
مشهد آخر، و هو مشهد جمع بين أحمد و غادة حيث كانا يجلسان معًا يتحدثان في الطريق العام على النيل إلى جوار مشتل ورد،، لكن ثلاثة ضباط شرطة يقرروا أن يستعرضوا أنفسهم و سلطاتهم عليهما فيكيل أكبرهم رتبة - نقيب - الإهانات اللفظية لأحمد و يأمره بأن يأخذها و يبتعد من هنا متعللا بوجود بيت وزير في نهاية الشارع.. هذا المشهد صادم لأقصى درجة.. في البداية تعتقد أن أحمد سيتعرض للخطر من الضباط، نظرًا لأنه كان يتعرض للخطر من بعض الكبار الذين يهمهم ألا تظهر صور مجزرة بار فيرتيجو التي مرت عليها سنوات.. لكن الموقف يتضح أنه غير ذلك.. هذا المشهد حقيقي مئة بالمئة، لا أقول أنه حدث طبعًا، لكن أقصد أنه غير مفتعل، لم يواجه أحمد الضباط بسخرية مماثلة، و لم يثور عليهم و لم تأخذه الحماسة و يطالب بتحقيق القانون و ما إلى ذلك، بل كان تصرفه أقرب لتصرف أي شاب لا يريد أن يصنع شوشرة خصوصًا مع وجود فتاة معه، و بالذات لو كانت فتاة مثل (غادة).. فيظر للتحدث بأدب مع الضابط رغم أنه لم يخطيء بالفعل، لكن (قد تقتضي الشجاعة أن تصبح جبانًا لبعض الوقت).. باختصار أعجبني هذا المشهد جدًا لكونه حقيقي غير مفتعل..
لم أفهم ضرورة واضحة لذلك الرجل الغامض الذي يرتدي خاتم أنيق عليه حرف G فوق فصه، و ظل ظهور هذا الرجل غامضًا لدرجة مريبة، جعلتني أفكر في أشياء كثيرة، إلا ذلك الحل الذي ظهر في النهاية بطريقة أراها لم تكن موفقة نوعًا، و بالطبع لن أحرق الحل لكم هنا، لكنه خالف توقعاتي و أتي أقل منها..
انتهي هنا و أقول أنني - بعد كل السطور السابقة - لم أتحدث عن الرواية بالشكل الكافي، و بالتأكيد أهملت جوانب عدة، لكنني أعرف أن الجوانب التي تناولتها لكافية ريثما تكتشف بنفسك بقية الجوانب..
جدير بالذكر أن الرواية ستتحول إلى فيلم سينمائي بالفعل، لست أدري بالضبط متى سيبدأ تصويره، كذلك هناك طبعة ثالثة - على ما اعتقد - قد تصدر لها قريبًا، و هي تستحق طبعة ثالثة بالفعل و أعتقد أنني لن أفوت الفيلم الخاص بها و الذي لا يحتاج لسيناريو أو حوار فالرواية - كما قلت في البداية و كما كُتب على غلاف طبعتها الأولى - سينمائية من الطراز الأول.. بسيطة.. ممتعة و مؤثرة لأبعد الحدود..

هناك ٣ تعليقات:

Ihab Omar يقول...

ازاي مشفتش موضوع انها رواية سينمائية
علي طريقة المشرفين في المنتديات , راجع تدوينتي حول الرواية , تجد بها غلاف الطبعة الاولي و بها كلمة رواية سينمائية
http://ihabomar.blogspot.com/2008/04/blog-post_2457.html
و الغلاف مرفوع ايضا ً في موضوع الرواية بمنتدي روايات

أسماء علي يقول...

يبدو أنك تحرضني على قرائتها اذا يا عمرو :)

سأقرها بعد ذلك التحريض منك ..

رمضان كريم

عمرو عز الدين يقول...

إيهاب العزيز:

لأني قرأتها من قبل كده بكتير.. يمكن من أيام المعرض و قبل ما حد يفتح لها موضوع في أي مكان :) و كانت الطبعة التانية طبعا


دكتورة أسماء: (طالما أنا عز بيه)

أيوه أنا بحرضك فعلا تقريها.. يلا اقريها يلا

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...