دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الاثنين، ٣٠ يونيو ٢٠٠٨

عم سعيد

كعادته كل صباح باكر، أمسك بالذراع المعدنية للبوابة الحديدية الكبيرة التي يعلوها الصدأ، و تزينها - أو تلوث سطحها - كتابات و رسومات طفولية بالطبشور الأبيض.. سحبها بالقوة التي تسمح بها ذراعه الواهنة ليفتح البوابة على مصراعيها و يعلن بدء يوم دراسي جديد..
بقامته المحنية يشد الخرطوم الأخضر الممتد من داخل حجرته البسيطة إلى حدود البوابة.. يلقيه أرضًا ثم يعود أدراجه ليفتح الصنبور.. بعدها يعود ليمسك بفوهته ضاغطًا عليها ضغطة خفيفة لتخرج المياه باندفاع و يغمر رذاذها الأسفلت، ممتزجًا مع الأتربة فوقه، فتتصاعد رائحة رطبة منعشة رغم كل شيء.. تمر الدقائق و تنساب كما ينساب الماء من الخرطوم، حتى يبدأ التلاميذ فى التوافد..
أطفال يحملون الحقائب المصابة بالتخمة، يحاولون أن يفتحوا أعينهم قدر المستطاع بعد السهر فى كتابة الواجبات المدرسية حتى وقت متأخر.. تتألق أزياءهم الموحدة و التي ستفقد بريقها بعد الطابور الممتليء بالثني و المد وسط رمال الفناء و أتربته التي تعلق في الأحذية و الحقائب و لا تتراجع أبدًا !!
" صباح الخير يا عم (سعيد) "
يقولها أحد الأطفال و هو يعدو نحوه مادًا كفه الصغير، فيمد عم (سعيد) رسغه متمًا المصافحة و هو يرد:
- صباح النور يا بني..
- ممكن أشرب يا عم (سعيد) ؟!
- الشرب مفيهوش استئذان يا (إسلام).. اشرب بس إوعي تبل هدومك..
فيوميء (إسلام) برأسه، ثم يمد كفه نحو طرف الخرطوم و يضم شفتيه لينهل من المياه المتساقطة، قبل أن يرتوي تمامًا و يندفع إلى الداخل ليلحق بالمركز الأول فى الطابور.. يظل عم (سعيد) يراقبه حتى يندمج مع الصغار، بعدها يبدأ فى سحب الخرطوم إلى الداخل مرة أخرى..
تأتي سيدة ممسكة بيد طفلها و حاملة عنه الحقيبة، فتبدو على وجهها إمارات الإرهاق و اللهاث من هذا المجهود، فتلقي السلام على عم (سعيد) الذي استقر على الدكة الخشبية محاولا فرد ظهره.. تتوقف سيارة ميكروباص لم يعتن بها صاحبها منذ فترة، فتفرغ ما فى جوفها من أطفال لتبتلعهم بوابة المدرسة المفتوحة، و أثناء ذلك يهبط السائق بنية إلقاء السلام على عم (سعيد)..
" صباح الفل يا عم (سعيد).. إيه يا عمنا هو الشباب مش بيخلص من عندك و لا إيه ؟! "
يرفع عم (سعيد) رأسه ضاحكًا لتظهر أسنانه التي تناقصت و هو يقول:
- يا راجل يا بكاش..
يخرج السائق سيجارة و يمد يده بها إلى عم (سعيد)، فيضحك الخير مرة أخرى..
- يا بني خلاص.. بطلتها من زمان.. هو أنا عاد فيا صحة للحاجات دي ؟!
- يا عم (سعيد) ده أنت تشرب مصنع سجاير.. ربنا يديك الصحة..
- و يديمها عليك يا بني..
- مالك يا عم (سعيد).. حاسك متغير..
- مفيش يا بني.. متشغلش بالك..
- إزاي بقى ؟!.. ده أنت زي أبويا.. خير بس فى إيه ؟!
- أبدًا يا بني.. بس كنت بافكر في بنتي..
- أنت لسه متعرفش حاجة عنها يا عم (سعيد) ؟!
- هأعرف منين بس يا بني !! من ساعة ما اتجوزت و جوزها خدها على الخليج.. و لما سألناه فين ؟!.. سكت شوية كده و راح قايل الخليج.. طب ما هو الخليج كبير و واسع و عريض.. يقصد فين بس و لا فين..
- متقلقش يا عم (سعيد) بكرة تشوفها تاني إن شاء الله..
- و أنا ضامن أعيش لبكرة يا بني.. لما ماتت المرحومة مراتي، قلت هأشوف بنتي.. ما هي لازم تيجي تعزي في أمها.. بس برضو لا حس و لا خبر مفيش غير التلغراف اللي بعتته.. حتى لما سبت البيت لأصحاب العمارة و جيت قعدت هنا في المدرسة.. قلتلهم على مكاني.. و وصيتهم.. لو بنتي جت في أي وقت يدوها العنوان على هنا.. و الله يكرمه (محمود) ابن صاحب البيت.. كل يومين تلاتة ييجي يشقر عليا.. يشوفني لو عاوز حاجة.. كنت كل مرة أسأله عليها.. مفيش أخبار عنها ؟ مفيش جوابات وصلت منها ؟.. و هو يقولي مفيش يا عم (سعيد).. لغاية ما بطلت أسأله خلاص..
- يا عم (سعيد) ربنا يديك الصحة.. و بعدين إحنا حواليك.. و لا إحنا مش ولادك برضو ؟
- ولادي طبعًا.. ربنا يخليكوا و يوسع لكم في رزقكم..
يخرج السائق عود كبريت من علبته و يضربه فى جانبها الخشن، قبل أن يميل نحو اللهب بطرف السيجارة الملتصقة بشفتيه و يشعلها بدورها بعد أن أخذه الحديث مع عم (سعيد).. نفس فأخر ثم ينهض و هو يربت على كتف عم (سعيد) الذي رفع إحدي قدميه على طرف الدكة متكئًا عليها بساعده..
- تؤمرنيش بحاجة يا عمنا ؟!
- الأمر لله يا بني..
- هأبقى أفوت عليك بعد الضهر و أنا جاي أخد العيال
يتابعه عم (سعيد) بنظره، قبل أن يعود ليغرق في أفكاره..

*************
في ذلك الصباح فتح عم (سعيد) بوابة المدرسة و عينيه تحملان بريقًا ما رغم انحناء ظهره.. جلس على دكته الخشبية، و قبضت يداه على علبة صفيح متوسطة الحجم مزينة بأوراق ملونة، و عقله يفكر في نقطة بعيدة.. ظل على جلسته هذه حتى ارتفعت الشمس إلى منتصف السماء، حيث بدأ القلق يحفر نفسه على ملامح عم (سعيد)، الذي بدأت قبضته ترتخي على العلبة الصفيح.. حتى مر من أمامه الأستاذ (منتصر) مدرس العلوم..
- بأقولك إيه يا أستاذ..
- أوامرك يا عم (سعيد).. خير ؟
- خير يا بني.. هو مش النهاردة نتيجة الابتدائية ؟!
- أيوه يا عم (سعيد)..
- أمال مفيش حد من الولاد جه يشوف نتيجته ليه ؟
ضحك الأستاذ (منتصر) ضحكة صغيرة، ثم أجابه:
- السنة دي النتيجة بتطلع على الإنترنت يا عم (سعيد).. بتطلع على الكمبيوتر و يجيبوها و هما قاعدين في بيوتهم..
انخفض صوت عم (سعيد) و هو يقول بوجه هربت منه الدماء:
- يعني محدش هييجي يشوفها من المدرسة ؟!
- لا يا عم (سعيد).. هو أنت مستني حد يعني ؟ و لا عاوز تطمن على نتيجة حد ؟!
ترقرق الدمع في عيني عم (سعيد) و هو يقول بصوت مرتجف:
- لا أبدًا.. أنا بس كنت عاوز أطمن على ولادي.. دول ولادي برضو..
- ربنا يخليك لينا يا عم (سعيد).. استئذنك أنا..
تركه الأستاذ (منتصر) و اتجه لوجهته، بينما أحني عم (سعيد) رأسه، و نظر مليًا إلى العلبة الصفيح التي يجمع فيها ما يجود به أهل الأطفال الناجحين كل سنة.. و ابتلع ريقه من جديد.. تلك العلبة كانت تعني له تذكرة قطار.. و لعبة ثمينة.. بعض الفاكهة و الشوكولاتة..
أغمض عينيه و هو يشعر بالألم، قبل أن يقول بشفتين مرتجفتين:
- قدر الله و ما شاء فعل..
في نفس اللحظة.. تطايرت ورقة صغيرة كانت قابعة إلى جواره على الدكة.. مكتوب فيها:
" والدي العزيز.. نزلت مصر فى إجازة لمدة تلات أيام.. إحنا دلوقتي في المنصورة.. أنت عارف.. أهل (هاني) كلهم هنا فى المنصورة، أنا حبيت أبعتلك و أقولك علشان تطمني عليك.. و عشان أقولك كمان إني جبت (ولاء).. بنت زي القمر و طالعالي.. يا ريت تقدر تيجي يا والدي علشان نفسي أطمن عليك.. بنتك (إلهام) "

*************

تمـــــــــت بحمد الله

الأحد، ٢٩ يونيو ٢٠٠٨

عصر التاجات


التاج رقم اتنين باتت الإجابة عليه ضرورة من ضروريات الحياة.. لزمن و لابد أجاوبه علشان أنقل على اللي بعده و اللي بعده.. هو مفيش غيري في البلد بتتمررله تاجات و لا إيييييييييه !!!

المرة دي التاج من صديقتي د. أسماء علي اللي رديت لها الجميل في التاج اللي فات و هأفضل وراها لحد ما تجاوب.. و نبدأ بسم الله الرحمن الرحيم نجاوب.. ثواني أشرب بعض الماء.. لحظات أمسح قطرات العرق عن جبيني.. لحظة أخرى كي أفتح باب السايبر للتهوية الجيدة.. لم يعد هناك شيء غير الإجابات..

1- هواياتك ؟!!

طب بالذمة ده كلام ؟!.. هواياتي واضحة أكيد.. القراءة.. مشاهدة الأفلام الأجنبية.. الكتابة كذلك.. مطاردة الأطفال الأوغاد بالمكنسة.. خنق القطط في القبو المظلم ليلا.. و هكذا من الهوايات المحببة للنفس.. كمان بحب جدًا أتفرج على الخناقات.. لو ماليش حد فيها يستدعي تدخلي أحب أتفرج جدًاااا ساعتها.. و يا سلام لو انقلبت لخناقة دموية.. بحب أشوفهم إزاى بيتدرجوا من الشد و الجذب للضرب و الهياج.. هواية غريبة شوية !!

2- أشهر عيوبك ؟!!

ممممممم.. أشهر عيوبي بالنسبة لي و لا أشهر عيوبي عند الناس ؟!.. لو عندي أنا يبقى الإهمال و الكسل.. عند الناس الكسل.. بس أحب أقول إنه مش كسل على أد ما هو نوع من التمرد السلبي على تحقيق رغبات الآخرين.. هذا يطلب مني شيء و هذا يطلب مني شيء آخر.. فلا أفعل هذا و لا ذاك كنوع من التمرد و الرفض السلبي.. فأوصم بالكسل.. و تدريجيًا صار من سماتي و عيوبي.. للأسف طبعًا !!

3- حاجات بتكرهها جدًا ؟؟!!

الأوااااااااااامر.. الظلم.. البجاحة.. بالذات البجاحة.. لما يكون واحد غلطان و عارف إنه غلطان و تلاقيه كمان مش عاجبه أنك بتقوله أنه غلطان.. و تاخده العزة بالإثم كده و ناقص يقولك اشرب من البحر.. كان في واحد بيطلع في التليفزيون ميصحش نتكلم عنه دلوقتي لأنه اترقي و بقى ماسك محافظة بحالها.. هو بالظبط الحالة بتاعة العزة بالإثم ده.. تقوله بص الصور و الناس عاملة إزاى يقول كذب و تلفييييييييق.. ساعتها أبقى عاوز أنط فى التليفزيون و اقعد مكان عمرو أديب (ما هو عمرو و أنا عمرو مش هتفرق) و أفتح كرش صاحبنا ده !!!

4- حاجات بتحبها أوي و مش بتمل من تكرارها ؟!!

الكتابة.. القراءة.. الجلوس على النت.. النزول من بيتنا.. شرب كوفي ميكس..

5- سؤال بيستفزك جدًا ؟!!

و هو أن حد يسألني و يقولي: إيه أكتر سؤال بيستفزك جدًا ؟.. هههههههههههههههه.. لا بجد.. في سؤال مش مستفز بقدر ما بيضايقني و بيحيرني فى إجابته.. و هو: إنت بتصلي و لا لأ !!!

طب أجاوب أقوله إيه ؟!.. أصل اللي بيسأل ده حاجة من اتنين.. واحد قريب مني أوي و بيسألني بحكم القرب ده.. و ده من حقه يسأل.. إنما حد معرفوش أو علاقتي بيه مش متينة للدرجة.. أقوله إيه ؟ لو قلت آه يبقى بأنافق و عاوز أتفاخر قدامه بإني بأصلي.. و لو قلت لأ ييجي السؤال الأكثر استفزازا.. طب ليه مش بتصلي ؟!.. هأقول إيه يعني ؟! حقيقي الإجابة محيرة !!!

6- أمنيتي في الحياة ؟!

أني أكون صاحب قراري.. مش عروسة في إيد محرك عرايس فرحان إنه بيعرف يحرك و خلاص !!

7- حاجات مؤمن بيها جدًا ؟!

إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا..

8- أكتر حاجة فاشل فيها ؟!!

ما بلاش سيرة الفشل دلوقتي الواحد حاسس إنه غرقان فيه.. المهم يعني.. اكتر حاجة فاشل فيها الالتزام بجدول زمني لعمل شيء.. أحط جدول للمذاكرة (أيام المذاكرة بقى) من خمسة لستة هأذاكر جغرافيا النبات.. و من ستة لسبعة هأذاكر مدي تأثير البطيخ فى العقلية المصرية.. و من تمانية و نص لعشرة و تلت هأذاكر تاريخ أمنا الغولة.. و في الآخر أبدأ مذاكرة أساسا الساعة حداشر بعد ما أكون شفت فيليمين و مسرحية و كام فيديو كليب.. رائع يعني !!

9- وظيفة بتحبها ؟!

مؤلف قصص.. لو دي كانت وظيفة يعني.. غير كده مفيش !!

10- مثلك الأعلى في الحياة (و هو سؤال المليون) ؟!

في ناس كتير تسألها مثلك الأعلى مين ألاقيهم بيجاوبوا بسرعة و بكل سهولة.. بأحسدهم الصراحة.. لأني بجد محتار في إجابة سؤال زي ده.. في مثل أعلى شامل لكل حاجة ؟! مفيش غير الرسول عليه الصلاة و السلام.. و هو فعلا خير مثل أعلى ممكن أقتضي بيه.. بس لو فصصنا المثل الأعلى لكذا حاجة.. هألاقي إن صلاح الدين الأيوبي مثل أعلى ليا فى الأخلاق الحربية وقت الحرب.. هألاقي سيف الدين قطز فى الذكاء و الشجاعة و حسن تدبير الأمور.. هألاقي خالي في التضحية.. هألاقي (أدهم صبري).. هألاقي أي واحد ناجح في حياته و ملتزم بأخلاقياته و متمسك بمبادئه و قيمه..


يا ترى كسبت المليون ؟!

ده بقى راجع لكم تحكموا..

المرة دي أمرر التاج لمين ؟!

تمرره لمين يا واد يا عمرو ؟!

لقيته..

محمد عبد السميع.. الديليكون.. جاوب يا صديقي يمكن تفوز بالمليون !!

بس خلاص
تصبحوا على خير

الثلاثاء، ٢٤ يونيو ٢٠٠٨

د. نبيل فاروق و جائزة الدولة التشجيعية



(صورة الغلاف من منتدى شبكة روايات التفاعلية بواسطة الصديق: إيهاب عمر)


كنت قد وعدت بالإجابة عن التاجات المتأخرة، و سأبر بوعدي قطعًا بإذن الله.. لكن هذا الخبر لا يحتمل التأخير..

فاليوم، و عبر شبكة روايات التفاعلية عرفت هذا الخبر.. و هو فوز

د. نبيل فاروق

أديبنا و مبدعنا العربي بجائزة الدولة التشجيعية عن سلسلة (ملف المستقبل) و خاصة روايته (س-18) الذي صدرت ضمن سلسلة الأعداد الخاصة في معرض القاهرة الدولي للكتاب يناير 2007

هذا الخبر الذي أسعدنا و سيسعد الكثيرين من عشاق د. نبيل فاروق و كل ما خطه قلمه قرابة خمسة و عشرين عامًا، قدم لنا خلالها مئات العناوين، و أرسى مبادئًا و قيمًا في نفوس الشباب، لم تكن لترسى قواعدها عن طريق آخر..

و يقول أ. محمد فتحى الذي نقل لنا الخبر السعيد في منتدى روايات:


" الخبر جاءني عن طريق د.نبيل نفسه حيث لم تلحق العديد من صحف اليوم بنشره
فاز كاتبنا الكبير د. نبيل فاروق بجائزة الدولة التشجيعية عن رواية س- 18 الصادرة عن سلسلة ملف المستقبل ضمن روايات مصرية للجيب
قلت للدكتور نبيل أن الجائزة في الأساس لقرائه و أننا نتنازل - اختيارياً - عن قيمتها المادية وإن كنا لا نتنازل عن قيمتها المعنوية الكبيرة.
فوز د.نبيل بهذه الجائزة اعترافاً متأخراً بقصص الجيب التي ظلمها النقاد ولم يلتفتوا إليها مع سبق الإصرار و الترصد معتبرين إياها أدباً درجة ثالثة ، كما أن الجائزة منحت لأفضل من كتب الخيال العلمي في العالم العربي في تكريم متأخر لرجل يستحق الكثير من هذا البلد .
مبرووووووووووووووووك لنا جميعاً
ومبروك للدكتور نبيل "


طبعًا لا أجد ما أقوله بعد كلام أستاذنا محمد فتحي، الذي تبدو السعادة و الفرحة في كل كلمة من كلماته، نفس السعادة التي تغمرنا كلنا بهذا الفوز الكبير..

مبروك د. نبيل فاروق أيها المبدع الكبير، و أتمنى أن يكون نشري للخبر جزء من رد الجميل الذي تعلق في رقبتي منذ أن بدأت القراءة على يد أديبنا الرائع..
الخبر منشور في أخبار اليوم على الرابط التالي:

***********

الاثنين، ٢٣ يونيو ٢٠٠٨

لا تؤجل تاج اليوم إلى الغد



و كما هو واضح من العنوان، فقد تراكمت عليّ ثلاثة تاجات منذ زمن بعيد.. و صاحبات هذه التاجات يطاردنني في كل محفل لأجيب عن تلك التاجات.. طبعًا جدير بالذكر أنني سأجيب عن كل تلك التاجات.. بعد أن فطنت للحكمة العظمى و هي ألا أؤجل تاج اليوم إلى الغد.. و ليقدرني الله على رد الجميل إليكن..

و لأسباب تتعلق بالترتيب الزمني.. فإنني سأجيب عن تلك التاجات تباعًا من الأقدم للأحدث.. لذا فإن تاج اليوم هو التاج المًمرر لي من الصديقة (جومانا حمدي).. و لنبدأ مباشرة..

التاج سأعنونه من نفسي بعنوان: " أسئلة و فضفضة.. "

1- بعد عشرة أعوام . كيف تريد أن تكون ؟

أريد أن أكون أحسن من الآن.. فأعتقد أنني منذ عشرة أعوام كنت مختلفًا عن الآن.. لكنني لم أحرز تحسنًا كبيرًا.. لذلك أتمنى بعد عشرة أعوام أن أحرز تحسنًا أكبر مما أنا فيه الآن.. و تقدمًا في مستوى حياتي.. كما أتمنى أن أكون وقتها أجلس بين زوجتي و ابني أو ابنتي فى حال أحسن مما نحن فيه الآن..

2- أحلامك وأنت صغير ؟

أن أكون كاتبًا ناجحًا محبوبًا مثل د. نبيل فاروق.. قبل ذلك كنت أحلم بأن أكون ضابط جيش كوالدي !!

3- الشيء الذي تتخلى عنه بانتظام ؟

الصحة.. الوقت..الأولويات..

4- اسم المدونة: " عمرو عز الدين " ماذا تعني لك ؟

تعني لي اسمي.. تعني أنها مدونتي التي صارت نافذة لي أقول عبرها كل ما أريد و أتحدث عبرها مع كل أصدقائي.. و اسمي يعني لي ذاتي..

5- متى بدأت الكتابة .. وما أول عمل لك ؟

بدأت الكتابة بشكل عام في العاشرة من عمري.. و أول عمل لي وقتها كانت قصص أكتبها في صفحة واحدة اسمها (الإنسي و الجني) عبارة عن رجل شرطة من الإنس و رجل شرطة من الجن يقاتلان الجريمة معًا.. طبعًا كانت ركيكة للغاية و أحداثها تمر بسرعة الضوء.. ففي صفحة واحدة يكتشفان الجريمة و في نفس الصفحة يقبضان على الجاني..

6- شخص ما ترك بقلبك علامة ؟

على حسب العلامة.. فلو علامة إيجابية.. فهو صديق عمرى (مهند محمود).. و لو علامة سلبية فأعتقد أنني لا أذكره..

7- الخوف .. من شيء معين .. ومن شخص معين؟

من شيء معين فهو دومًا الخاتمة.. دومًا ما أخشى سوء الخاتمة.. و أخشى عذاب الآخرة.. أما من شخص معين.. فلا يوجد من أخافه مطلقًا.. هناك من أحترمه و أقدره.. و من لا أطيق ظله على الأرض.. لكنني لا أخاف أحدًا..

8- صوت تشتاق لسماعه دائما ؟
صوت حبيبتي..

9- صوت تحب سماعه دائما ؟

صوت حبيبتي أيضًا..

10- كتابا لم تنقطع عن قرائته قط ؟

مممممم.. هل يجوز أن أعمم الأمر فأقول سلسلة (رجل المستحيل) و (ملف المستقبل) و (ما وراء الطبيعة) ؟!.. إن كان كذلك فهؤلاء ما لم انقطع عن قرائتهم قط..

11- الصمت أحيانا .. ماذا يعني لك ؟

الصمت يعني لي الهدوء.. و الهدوء يعني لي الراحة.. و الراحة تعني لي الصفاء.. إذن فالصمت يعني لي الصفاء.. حالة نرفانا كاملة..

و هكذا أكون قد أجبت عن أول تاج يُمرر لي.. و أجدني مضطرًا لتمريره إلى كل من:

د. محمد الدسوقي (وقعت يا دسوقي و لا حدش سمى عليك)

دعاء مواجهات (جاوبي على حريتك خالص)

ساموراي للأبد (ورينا الهمة يا إسكندرانية)

د. أسماء علي (علشان يبقى تمرريلي تاجات تاني)

كفاية أربعة المرة دي، و كمان كنت ناوي أمرر التاج للعزيزة (من أجل عينيك) لكن التاج راح لها من طريق تاني تتعوض في اللي جاي..

و إلى لقاء مع التاج اللي جاي بإذن الله.. اللى اتمرر ليا من صديقتي د. أسماء علي.. و بعده تاج أختي العزيزة دعاء حسين..

الجمعة، ٦ يونيو ٢٠٠٨

من أنا ؟!


فجأة وجدت نفسى فى ذلك الأوتوبيس أجلس إلى جوار إحدى النوافذ.. مع شعور بألم فى الرقبة و تنميلة فى ذراعي اليسرى الملتصقة بحاجز النافذة..
لكن ما الذى أتى بى إلى هنا ؟!
و متى جئت إلى هنا ؟
و الأدهى.. من أنا ؟!!
أحاول عبثًا تذكر أى شئ.. أحاول أن أجد إجابة لتلك الأسئلة التى عصفت بذهنى منذ أن فتحت عيني..
لكننى فشلت تمامًا..
لست أظن أننى برزت فى الأوتوبيس فجأة من العدم..
كيف أجد نفسى هنا دون أن أذكر كيف أتيت ؟!.. حتى لمحة مما مضى ؟!
أدرت نظرى فيمن حولى، قد تذكرنى وجوههم بمدلول نفسى.. إلا أننى فشلت للمرة الثانية..
فكل من حولى لا يحركون بداخلى أية ذكرى..
كانوا خمسة..
عجوز يجلس وحيدًا منكمشًا فى معطفه الدافئ..
رجلان فى موقع متوسط يتناقشان بصوت خفيض فى نقاش لن يخرج عن زيادة الأسعار - جميل أن أتذكر زيادة الأسعار بينما لا أعرف من أنا !! - و صعوبة الحياة..
محصل التذاكر الذى تسقط رأسه على صدره كل دقيقة فى غفوة خاطفة، يرجع بعدها يستيقظ رافعًا رأسه لمستواها الطبيعى باحثًا عن أي راكب جديد لم يحصل ثمن تذكرته بعد..
السائق الغارق فى مراقبة الطريق أمامه باعتيادية و خمول..
ثم أنا.. الذى لا أذكر شيئًا عنى سوى أننى (أنــــا) فقط..
المجهول عن نفسى..
عدت أنظر خلال النافذة إلى خارج الأوتوبيس.. حيث العالم الخارجى..
حيث الليل البهيم فى الخارج.. و الطريق الخالي تمامًا..
المتاجر المغلقة..
الشوارع المبتلة بأثر الأمطار الخفيفة التى تتساقط من السماء كقطرات الندى المنعشة..
لا شىء.. لا شىء..
لا شيء يثير ذاكرتي و يعرفني محتواها المفقود !!
نظرت إلى ملابسى ربما كانت توضح كنهي..
بنطلون جينز أزرق سماوى.. قميص صوفى رخيص مزين بخطوط عريضة متشابكة..
جاكت جلدى أسود متواضع لا يكاد يقيني برودة الليل..
كل هذه الملابس لا تدل على شخص فريد.. مجرد شخص طبيعى مثله مثل الآلاف غيره..
لا تميزنى عن غيرى..
ثم توقف الأوتوبيس بعد أن نهض العجوز؛ ليهبط مغادرًا إياه..
ياله من محظوظ.. يعرف إلى أين سيذهب..
يعرف من هو..
لكن ما الذى حدث و جعلنى أنسى كل شئ ؟!.. لماذا لا أتذكر ؟!
هل يمكن للإنسان أن ينسى كل شىء عن ماضيه و كأنه مسحه بممحاة غالية الثمن عالية الجودة بحيث لم تترك خلفها أية خطوط طفيفة تمكنه من التذكر ؟!
هل يمكنه نسيان اسمه ؟.. معارفه و محبيه ؟!.. أعداءه و كارهيه ؟!!
ذكرياته و خبراته فى الحياة..
وجوه ألفها و عاش معها طويلًا..
هل يمكن أن ينسى كل هذا دون تذكر و لو مسحة عابرة ؟!
أخذت أحاول التذكر مرة أخرى.. بلا أمل حقيقى.. بلا جدوى من الأساس..
ثم هبط الرجلين و هما لا يزالا يتحدثان عن زيادة الأسعار..
حسدتهما كالمعتاد على حظهما الوافر الذى يمكنهم من معرفة و تذكر كل ما يحيط بحياتهما.. و لعنت فى المقابل حظى العاثر..
هل هذا هو الوقت المناسب للنسيان ؟!
بعد أن انتصف الليل ؟!
حيث لا يوجد إلا النائمون..
لكن عقلي أجابني أن النسيان لا يعرف وقتًا.. لا تتوقع أن يأتيك ليسألك بأدب إن كان الوقت مناسبًا كي يصيبك به أم لا !!

تنهدت و عدت أغرق فى التفكير العميق، حتى أفقت على صوت المحصل الذى وقف فوق رأسى قائلًا:
- يا أستاذ.. نهاية الخط..
ارتقيت بنظرى إلى نظره قائلًا كالتائه:
- إحنا فين ؟!
نظر لى للحظة فى دهشة قبل أن يجب:
- إحنا فى (محطة مصر)..
برز الاسم من وسط الغشاوة القاتمة التى تحيط بذاكرتى، مقترنًا بدوى هائل ملأ فراغ عقلى الوقتى..
(محطة مصر)..
ذلك الميدان الواسع فى قلب الإسكندرية..
فقط..
هذا فقط ما تذكرته.. اللعنة..
" يا أستاذ.. "
قالها المحصل مرة أخرى و قد بدا فى صوته بعض الخشونة، فعدت أرتقى بنظرى مجددًا حيث قلت:
- أنا آسف.. بس ممكن تقولى أنا مين ؟!
بدا الاستنكار على وجه المحصل و هو يحدق فىَّ من موقعه الأعلى قبل أن يقول بصوت حاد ملئ بالاتهام:
- إنت شارب و لا إيه يا حضرة ؟!
لولا أن حالتي النفسية لا تسمح لرددت سؤاله بالدعابة الخالدة: لأ لحية !!.. لكنني أجبته بلهجة لينة كى أكسب تعاطفه و أمحو من داخله الاتهام الصريح:
- أنا مش عارف أنا مين.. و لا فاكر جيت الأوتوبيس إزاى..
لمحت الشك فى عينيه، و هو يقول:

- يعنى إيه اللى قلته ده ؟!
سارعت أجيبه:
- و الله العظيم أنا ناسى كل حاجة..
جاء السائق فى تلك اللحظة بعد أن اجتذبه الحديث الدائر بيننا، فحكى له المحصل كل شىء.. فقط ليصبح من يرمقنى بشك اثنين بدلًا من واحد..
لكن السائق كان يبدو أنه مصدقًا لما أقول، حيث قال فى اهتمام:
- معاك بطاقة ؟!
البطاقة.. يا إلهى.. كيف نسيت أمرها ؟.. يا لغبائى.. لكن لا لوم علىّ.. إن كنت قد نسيت اسمى فهل سأتذكر أن هناك ما يسمى بالبطاقة ؟!
عبثت فى جيوب بنطلونى.. لكنها كانت خالية.. لا شىء سوى بضعة أوراق مالية قليلة القيمة و قطع عملة فضية أقل منها قيمة..
جيوب السترة الجلدية خاوية كالصحراء لا يوجد بها شىء ما عدا تذكرة الأوتوبيس..
عدت أرتقى بنظرى للمرة الثالثة هذه الليلة إلى الرجلين قائلًا فى يأس:
- مفيش.. مفيش أى حاجة.. بس ساعدونى.. أرجوكم..
تبادلا النظر سويًا فى صمت كأنهما يتحدثان بالتخاطر، قبل أن يقول المحصل:
- إحنا نوديك قسم البوليس.. و هناك هايعرفوا إنت مين..
أقنعنى حله المثالى..
الشرطة هى الجهاز الوحيد الذى سيمكننى من معرفة هويتى.. الجهاز الوحيد الذى سيدلنى على شخصيتى و قد يساعدنى على تذكر كل حياتى التى أنساها.. أليست الشرطة فى خدمة الشعب ؟!
بعد دقيقة كنت فى طريقى إلى قسم الشرطة التابع له الحى، يصطحبنى محصل التذاكر متبادلًا معى الحديث محاولًا أن يصل بذاكرتى لشاطىء التنور..
لكنها كانت محاولات عبثية.. محاولات لعب فيها المحصل دور سيزيف بينما كنت أنا الصخرة، كلما رفعني لقمة التذكر هويت به إلى قاع النسيان !!
ثم وصلنا.. حيث استقبلنا بالداخل النقيب النوبتجى بنظرات متفرسة، قبل أن يستمع لنا فى هدوء و تركيز حتى انتهينا من قصتنا.. فسأل المحصل بصوته القوى و هو يعبث فى شاربه الغزير:
- تقدر تفتكر هو ركب منين ؟!
أخذ المحصل يتذكر، يحاول بكل جهده.. يهرش رأسه المصابة بالصلع مستثيرًا مراكز ذاكرته العاملة بكل كفاءة.. لأجد أننى لا شعوريًا أجهد ذهنى معه لأتذكر..
سباق للتذكر دار بيننا.. سباق غير محدد الأمتار.. ربما بالكيلومترات..
ثم انتهى بليونة ملامحه و هو يجيب معلنًا فوزه بالسباق و خسارتى المدوية:
- أيوه يا باشا.. ركب من المندرة..
حتى المحصل يتذكر.. حتى هو..
لكن المندرة التى قالها ما ذكرتنى بحرف واحد من ملايين الكلمات التى سطرت حياتى التى نسيتها..
فقط جعلتنى أبدأ رحلة جديدة إلى نقطة شرطة المندرة باصطحاب مجند الشرطة هذه المرة و الذى كان صامتًا كالصنم بجوارى..
حتى اكتملت خمسون دقيقة..
حينها كنت أدلف إلى نقطة الشرطة مع المجند متجهين إلى الضابط النوبتجى، الذى ما إن رآنى حتى صاح ملوحًا بيديه:
- (فتوح) ؟!!
قفز الاسم إلى ذهنى مخترقًا سحب النسيان، التى بدأت تنقشع فور الاسم الذى نطقه الضابط..
اسمى أنا.. (أنا) التى بدأت تتذكر تدريجيًا حياتها..
بينما التفت الضابط ليسأل المجند:
- إنت مسكته إزاى يا عسكرى ؟!!
قص عليه المجند القصة كلها.. بينما الضابط منطلق فى الضحك.. فى حين كنت أتذكر و أتذكر و أتذكر..
و حين انتهى الضابط من الضحك قال:
- شوف القدر.. (فتوح) ده أكبر نشال فى المنطقة.. كل يومين تلاتة تلاقيه مشرف عندنا.. النهاردة الصبح اتمسك بيسرق عربية.. إيه اللى خلاه يغير نشاطه اللى اتعودنا عليه.. دى فيها سنة حبس.. قام هرب مننا من ساعتين كده..
ثم عاد يضحك مرة أخرى.. بينما كنت أتذكر الآن كل شئ..
كل ما ذكره صحيح..
لقد هربت من النقطة منذ ساعتين دون أن يلحظ أحد.. غافلتهم و انطلقت أعدو بكل قوتى..
لم أكن قد أكلت أو شربت منذ يومين و كان المسجل الذي كان يتألق عبر نافذة تلك السيارة البراقة الرابضة خلف الشيراتون يغريني بمأكل و مشرب يكفيني لأيام كثيرة..
لكنني فشلت..
أمسكوا بي.. فقط لأظل بلا أكل أو شرب.. لذلك أحسست بذلك الدوّار العنيف بينما أعدو عبر الطرقات شبه الخالية فى الليل..
قفزت فى أول أوتوبيس صادفنى.. قطعت تذكرة لا شعوريًا و دسستها فى جيبى ثم جلست لاهثًا فى قوة بينما بدأت بعض البقع الوهمية تظهر فى مجال الرؤية..
بعدها غبت عن الوعى تمامًا..
قاطع الضابط تدفق ذكرياتى قائلًا:
- محدش بيهرب مننا.. نسيت كل حاجة يا (فتوح) عشان ترجع تاني لينا..
و ضحك للمرة الثالثة، قبل أن أجد نفسى فى الزنزانة التى تضم زملائى القدامى.. منتظرًا عرضى على النيابة صباحًا..
زملاء السجن.. الوجوه التى كنت أجاهد منذ قليل لتذكرها..

معارفي و أحبائي.. أعدائي و كارهيّ..
الوجوه التي ألفتها و عشت معها..
الذين كانوا يرمقوننى فى دهشة بينما كنت أضحك بشدة، محاولين أن يعرفوا سبب ضحكي و أنا ذلك الشخص دائم الجدية و الصمت..
لكننى كنت - حتمًا - أعرف السبب..


***************
Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...