دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الأربعاء، ١٠ يونيو ٢٠٠٩

حدث بالفعل



(1)

يقترب الميكروباص من مزلقان المعمورة، يلتقط ما يستطيع من ركاب، فالرحلة للمنشية لا تزال طويلة..
يعبر المزلقان ويتوقف ليجمع تلك الثلة الواقفة في انتظار ما يركبوه..
يقترب هو مترددًا من نافذة السائق وعينيه زائغتين، رغم الزي العسكري الذي يرتديه.. يهمس للسائق بصوت مرتجف:
- ممكن تركبني معاك يا أسطى..
- اركب يا عم المشروع فاضي أهو..
- لأ أصل أنا.... أنا..
- مالك؟!
- أصل أنا اتسرقت مني المحفظة ومش معايا فلوس يعني..
يقولها وقد بدأ العرق يتكون فوق جبينه.. لكن السائق يربت فوق كتفيه عبر النافذة قائلا:
- اركب يا عم من غير استئذان عيب عليك..
- معلش يا أسطى هي بس المحفظة..
- ولا يهمك يا عم قلتلك اركب خلاص..
يدور المجند حول الميكروباص ويركب إلى جوار السائق..
- أنت منين يا دُفعة؟
- أنا من إيتاي البارود..
- رايح الوحدة دلوقتي؟!
- لا أنا مروح بيتنا.. متعرفش أروح الموقف الجديد إزاي؟
- هنزلك في مكان تركب منه للموقف على طول..
ظل المجند طوال الطريق ساهمًا عبر النافذة، أحاول التدقيق في ملامحه السمراء فلا أعرف بسبب الظلمة المحيطة بنا.. تصير الساعة العاشرة والثلث ليلا، يتوقف السائق عند المندرة، ويشير نحو مجموعة من الميكروباصات قائلا:
- اركب واحد من دول وانزل الساعة وهناك هتلاقي مشاريع للموقف..
- ربنا يخليك يا عم الأسطى سلامو عليكو
يقولها المجند وقد نجحت في التقاط لمعة عينيه الممتنة، ينزل من الميكروباص ولا يزال لسانه ينطق بالشكر للسائق، الذي أشار له كي يأتي من ناحية النافذة.. قبل أن يدس في جيبه ورقة مالية نجح الظلام في إخفاء قيمتها، فأراد المجند أن يمنعه، لكنه أصر وربت على كتفه مجددًا، قبل أن يدفع ذراع السرعة للأمام وينطلق..

**********

(2)

أعود من لقاء جمعني ببعض الأصدقاء مُرهقًا، فأندس في ذلك المكيروباص الحديث، ثم أريح رأسي على نافذته محاولا النوم.. السائق في الخارج ينادي على الركاب..
أراها قادمة بظهرها المحني وردائها الأسود.. تتحسس طريقها وسط الظلام.. تقف على مقربة من السائق وتقول:
- أنا معييش فلوس يا بني.. ينفع ترَكْبني؟
لم يسمعها السائق جيدًا، فاقترب منها متسائلا:
- أيوه يا أمّا أأمري..
تصمت قليلا قبل أن تبتعد بلا كلمة.. يسألني السائق:
- مالها الست دي؟!
فأخبره ما قالته السيدة التي لا تزال تبتعد في صمت.. هرع السائق نحوها مناديًا، قبل أن يصل لها ويتبادل معها حوارًا ما، تعود على إثره السيدة وتأخذ من المقعد الواقع ورائي مجلسًا لها..
- ربنا يسترك يا بني ويباركلك في سكتك ويبعد عنك ولاد الحرام..
ظللت تردد هذه العبارات بصوتها الرفيع المليء بالامتنان.. بينما يقطع الميكروباص شوارع الإسكندرية ليلا..
لا تزال الدنيا بخير..

هناك ٨ تعليقات:

ismail يقول...

حقًا...
لا تزال الدنيا بخير.

تدوينة رائعة حٌقا.

أحمد يحيى يقول...

ومن ده كتير كتير ياعمرو..
الحاجات دي بتلاقيها فعلًا حتى في أحقر الناس وأصيعهم..
يعني من يومين في المعمورة واحدة ست ابنها في الجيش وواحد مجند معاه في الكتيبة كان المفروض ييجي ياخد منها حاجات لابنها.. فهي يادوب بتكلمني تقوللي لو جه واحد عسكري يسأل على سامح ابنها قول له على البيت، ملحقتش تخلص الكلام لقت شلة شباب كانوا واقفين بعيد شوية بقوا جمبنا.. العيال دول متشردين كلهم ونظام مطاوي وحشيش وتعليم على الناس وكده.. كلهم في صوت واحد فضلوا يطمنوا الست إنها تروح وملهاش دعوه وهما حيجيبوا العسكري لحد بيتها وكده..
معلش بأه.. كلمة في زوري..
مش الدنيا اللي لسه بخير.. لأ.. شخصية المصري هي اللي لسه بخير!

روز يقول...

وح تفضل بخير طول ما في حد بياخد باله من الحاجات الصغيرة أوي دي :)
..
جميل أوي حكيك للقصتين دولت، هادي وحلو وواقعي :)
..
عقبال ما الناس اللي لسه بخير دي توصل لنا القاهرة يارب :(

إيناس حليم يقول...

:) فعلا احلى ختام قلته
الدنيا لسة بخير
فرحتني ان الناس دي موجودة في اسكندرية رغم اني مصادفتهمش..
بس الحمد لله ان غيري صادفهم

تقبل مروري

هبة خميس يقول...

فعلا الدنيا لسة بخير
انا كمان بشوف مواقف زي دي كتير
كمان فيه ناس بتركب و بتدفع اقل من الاجرة
وكمان فيه ناس كتير بتدفع لناس
انا كنت راكبة ميكروباص من كام يوم و مكنش معايا فكة و السواق مرضاش يفك قام راجل كبير جنبي دفعلي
تخيل انا عمالة اقوله لا و متشكرة و هو عمال يحلف عليا انه يدفعلي
ساعتها عرفت انه لسة فيه ناس كويسة
تدوينة جميلة يا عمرو

amr يقول...

أولاً السلام عليكم
ثانياً : أهنيك علي حوار عوطليه وقريب أهنيك علي مصر علي ورق بردي
ثالثاً : لك مني كل الأحترام لنقلك جزاء من الواقع المصري كما هو ( ماسودتش الدنيا في وشنا من الأخر )
وربنا يهدي الجميع

غير معرف يقول...

أنا بتأثر اوي لما أشوف مواقف الشهامة والإنسانية ونفسي اوي يبقى الأغلبية كدا لأني مش هحلم وأقول يبقى العالم كله مثالي

غير معرف يقول...

الدنيا لسا بخير فعلا انا كنت راكب مشروع ركبت معايا ست كبيره فى السن مش قدره تتنفس وبتدعى على اداره المستشفى علشان مصرفوش البخاخه بتعت الحساسيه ليها ومكنش معاها فلوس نزل واحد من الركاب جبلها البخاخه بتعت الحساسيه وعطاهلها الست فرحت جدا واخدتها وفضلت تدعيله وهى بتعيط واخدت البخاخه واتنفست كويس والناس كلهم سعدوها والاسطى مرداش يدفعها حاجه بجد كان موقف مشفتش زيه في حياتى الدنيا لسا بخير والشعب المصرى لسا فيه الخير

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...