دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الثلاثاء، ٢٢ مارس ٢٠١١

ديمقراطية خالية من الكوليسترول




جاءت نتيجة الاستفتاء لتوافق على التعديلات الدستورية المقترحة، بعد فترة عصيبة مرت على الكثير من المواطنين، ما بين الحيرة في اتخاذ قرار، أو الوقوع تحت تأثير مختلف التيارات الراغبة في نتيجة معينة تعمل لصالحها في النهاية.
ربما كانت النتيجة مخيبة لآمال كل من لم يوافق على التعديلات، ويراها منقوصة تهدر ما حققته الثورة في الفترة الماضية، لكنها -أي النتيجة- كانت مناسبة جدًا للفريق الثاني الموافق على ما تم. دعونا إذن من "الدبدبة" بالأقدام على الأرض، وترك نظرية "ماليش دعوة لأ يعني لأ" ولننظر إلى ما سوف يتم على ضوء النتيجة، التي لم تفرض عنوة علينا، بل جاءت وفق عملية استفتاء لم تشهد البلاد مثلها منذ زمن ليس بالهين، وبنسبة حضور عظيمة، ومشاركة الكثير ممن لم يتوقع أحد مشاركتهم.
لكن لا أحد ينكر أنه كانت هناك تجاوزات يجب التنبيه إليها، بعيدًا عن النبرة المتهكمة أو الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة، حتى نتجاوزها في المستقبل العامر بلجان الانتخاب والاستفتاء، كما لو أن الديمقراطية ستنتهي من الأسواق خلال شهرين.
بشكل عام فإن أكبر تجاوز في حق الديمقراطية، هو التلاعب بالعقول غير المستوعبة لبعض التعديلات، وزرع فكرة ما في رأسها حول مغبة اختيار رأي معين، لحشدها نحو الرأي المطلوب الإدلاء به، وأنا هنا لا أقصد فريقًا بعينه، لكن لا يجوز مثلا أن يحاول أنصار "نعم" إقناع الآخرين بطريقة: "اختاروا نعم وإلا هيلغوا المادة الثانية من الدستور"، وهو أمر غير صحيح وغير مطروح -على الأقل حاليًا- ولن يكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة للرفض في الوقت الراهن، وعلى الناحية الأخرى لا يجوز تخويف من يوافقون على التعديلات بأن الإخوان والسلفيين سيأتون إلى الحكم صبيحة يوم النتيجة، وقبيل المغرب سنصبح نسخة من تورا بورا!
لا يجوز أن نتعامل مع استفتاء بهذا الحجم، أو أية انتخابات مقبلة، بنفس العقلية التي كان يعمل بها النظام السابق في انتخاباته المشوهة، مثل توزيع السلع الغذائية على الناخبين لضمان أصواتهم، وهو ما حدث في إحدى المدن، حيث قامت جهة ما بتوزيع زيت وسكر على المواطنين ليختاروا "نعم"، بغض النظر عن مصلحة البلاد في أن يختار المواطن تبعًا لعقله وليس تبعًا "لشوية سكر هيخلصوا في يومين"!!
مدينة أخرى جاءني منها اتصال يفيد بأن أشخاصًا يحاولون تخويف السيدات الكبار الذاهبات للجان الاستفتاء، عبر شائعة تقول أن الحكومة فرضت غرامة "500 جنيه" على كل من يقول "لا"، وأنه لا مجال للهرب لأن الرقم القومي سيكون مسجلا لدى الحكومة!! وقد طالبني المتصل بأن أتحدث إلى إحدى السيدات لأؤكد لها كذب هذا الإدعاء، وكان من الصعب أن أنفي تلك الشائعة، مع نبرة صوتها المفزوعة، خاصة وأنها كانت قد اختارت "لا" وأصبح الأمر بالنسبة لها: "الفاس وقعت في الراس"!
هل الديمقراطية التي نرغب فيها هي أن نشتري الأصوات بكيس سكر أو حتى كيس شيبسي؟! هل نريدها ديمقراطية مصابة بالكوليسترول -إلا لوكان الزيت خالي منه-؟! وهل يكون التخويف بالغرامة أو فزاعة الإخوان والسلفيين هو الطريقة الأمثل لكسب أصوات أخرى في صفك؟
ليس كل من قال "نعم" قالها متأثرًا بهذه الأساليب، بل كثير منهم كان مقتنعًا تمامًا بجدوى هذه التعديلات، وليس كل من قال "لا" كان مبرره الخوف من أية جماعات أخرى، لكن الفريقين كان منهما من استخدم تلك الأساليب، متخيلا أنه بهذا يحقق الديمقراطية فعلا.
المكسب الحقيقي هو أن يقول المواطن كلمته لأنه يفهم سبب تبنيه لهذا الرأي، لأن عصر حشد الأوتوبيسات بالموظفين وصرف وجبة مع خمسين جنيه، لاختيار هذا أو ذاك قد انتهى، وليس من مصلحة أحد أن يعود مجددًا.
علينا جميعًا أن نسعى في المرات المقبلة إلى استخدام وسائل حضارية لحشد الجماهير، والعمل على توعيتهم بكل صدق وأمانة، لأن مصلحة مصر الآن فوق مصالح أية أفراد أو جماعات أخرى، وعلى فريق "لا" أن يحترم اختيار الأغلبية ممن قالوا "نعم" ويدعم رغبتهم ويدافع عنها كذلك.
الآن انتهى الاستفتاء وظهرت النتيجة. فاز من فاز ولم يوفق الطرف الآخر، وصار لدينا واقعًا ينبغي علينا التعامل معه، كي تولد ديمقراطية حقيقية خالية من الكوليسترول.

ليست هناك تعليقات:

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...