دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الثلاثاء، ٩ نوفمبر ٢٠١٠

واحـــة الــشــروق ( 1 )ـ


واحــــــة الشــــــروق

-مغامرات على أرض الواحات البحرية-

-( 1 )-

في الفترة ما بين 6 - 14 مارس 2007، ذهبت في رحلة دراسية إلى الواحات البحرية كمشروع تخرج من قسم الجغرافيا.. لماذا الواحات البحرية بالذات؟ سؤال لم توجد إجابة له إلا عند أساتذة القسم الذين رأوا أن مرسى مطروح لم تعد مكانًا صالحًا لمشروعات التخرج، بينما الواحات البحرية التي تبعد عن القاهرة فقط حوالي 365 كيلومتر فما بالكم ببعدها عن الإسكندرية، هي الأرض البكر التي لم يكتشفها أحد بعد..

طبعًا كان الأمر بالنسبة لي مفزعًا وأنا الذي أذهب للكلية -التي تقع على بعد 10 كيلومتر تقريبًا من البيت- بصعوبة بالغة وربما أراها في المناسبات السعيدة فقط، كالامتحانات الشفوي التي كنت أقابل فيها أساتذة القسم للمرة الأولى.. أو امتحانات آخر العام أو وقت استخراج الكارنيه وهذه الأشياء اللطيفة..

ملت على أول زميل قابلته في ردهة القسم وسألته: هو أنا لازم أروح الواحات؟

قال لي وهو يتساءل بداخله عن علاقتي بالأمر، ربما لأنه يراني للمرة الأولى: آه لازم.. ده مشروع تخرج والرحلة لوحدها عليها 75 % من درجة المشروع..

قلت في بالي بخيبة أمل: لو الدرجات دي على رحلة القاهرة والأهرامات كان زماني باجيب امتياز كل سنة..

ذهبت للمعيد المسئول عن تسجيل الأسماء وطلبت منه تسجيل اسمي فأخرج الكشوفات التي لديه ثم قال: انت جاي متأخر..

قلت في ذعر: ليه هو الأوتوبيس طلع؟

قال: لسه فاضل أسبوعين بس كان لازم تيجي من زمان تسجل اسمك.. المهم أنا هحطك في المجموعة الاقتصادية..

هكذا أصبح المشروع بالنسبة لي جحيمًا، فالاقتصاد هو آخر شيء أحبه وأفهمه في التاريخ، ولو أن آدم سميث نفسه جاء يشرح لي الاقتصاد لمات كمدًا مرة أخرى.. قلت له: مفيش مجموعة تانية تدخلني فيها؟ لو مجال صناعي يبقى حلو..

نظر لي شزْرًا ثم كتب اسمي بالقلم الجاف في آخر كشف المجموعة الاقتصادية بينما أسماء كل الطلبة مطبوعة بالكمبيوتر، هذه فائدة كتابة اسمك مبكرًا على ما يبدو.. شكرته بشدة واستدرت لأغادر المكان.. هنا صاح بلهجة بوليسية: استنى عندك!!

تجمدت مكاني خوفًا، لقد اكتشف في اللحظة الأخيرة أنني نصبت عليه وصرفت شيكًا بدون رصيد، دائمًا ما يكتشفونها في اللحظة الأخيرة، فاندفع الأدرينالين في عروقي وكدت أقفز من النافذة ثم تذكرت أنني لم أقدم له شيكًا بدون رصيد وأننا لسنا في بنك أصلا.. فعدت أستدير نحوه متسائلا عن سبب إيقافي، فأجاب: تيجي بكرة تدفع 285 جنيه..

قلت: لييييه؟؟؟ هي الرحلة كلها طالعة على حسابي؟

قال: دي مصاريف المشروع.. تدفع هتطلع مش هتدفع مش هتطلع وهتسقط..

قلت: طيب حاضر أمري لله..

استدرت من جديد لأغادر ثم توقفت ظنًا مني أنه سيناديني ببوليسية مجددًا إلا أنه لم يفعل، فغادرت المكان في سلام.. وحين استرقت نظرة للوحة إعلانات القسم وجدت لوحة أطول من مسلة واشنطن مكتوب فيها تفاصيل كثيرة عن المشروع.. النزول في فندق وهناك ثلاث وجبات، والذهاب في أوتوبيسات مكيفة.. المشرفون على الرحلة مجموعة من أفخم الأساتذة اسمًا في القسم وهذه حقيقة فعلا، رغم اشتهار أحدهم بالصرامة المبالغ فيها إلا أنه قيمة علمية تحترم..

عدت للمنزل أضرب أخماسًا في أسداس وأطرح الناتج من أسباع وأقسمه على أثمان حتى أصبت باحولال، فأيامها كان عندي سايبر -الله يرحم أيامه- وكنت أديره من الألف للياء، فكيف أتركه لمدة أسبوع كامل؟ وماذا عن صينية التورلي -الخضروات المُشَكَلة لمن لا يعرفها- التي ستطهوها الحاجة يوم 9 مارس؟

هكذا قضيت خمسة عشر يومًا أقفز من الفراش في الرابعة فجرًا صارخًا: متقتلنيش يا آدم سمييييييث..

ليهرع أبي ممسكًا بأي شيء يجده في طريقه -مرة هرع حتة هرعة وهو ماسك أخويا الصغير في إيده بعد ما افتكره عصاية في الضلمة- متسائلا عن المجرم الذي يهاجمني في الفجر وأنا اعرف اسمه الثنائي، فأخبره أن لا يخف إن هو إلا كابوس..

أو أشير بيدي لمشروع -ميكروباص إسكندراني يعني- وأميل على السائق هاتفًا: الواحات ياأسطى؟

ثم أنطلق جريًَا قبل أن يفتك بي السائق الذي يسير في الطريق متمنيًا خناقة..

واستمرت الأيام على هذا الحال.. أحاول إقناع الحاجة بتبكير موعد التورلي فتجعله قبل 6 مارس، فتهز رأسها بالرفض القاطع، قائلة أن الجدول سيختل بهذه الطريقة، وأن تغيير نمط الأكل بطريقة مفاجئة سيؤدي إلى أضرار جسيمة على صحة الإنسان، وقد يؤدي لانقراض ذكر الماموث!!

دبرت المبلغ المطلوب وذهبت لدفعه، ثم قام المُعيد بصنع علامة بقلمه الأحمر أمام اسمي الذي لا يزال مكتوبًا بالقلم الجاف وليس مطبوعًا بالكمبيوتر، ليؤكد أنني دفعت نفقة الرحلة وهو ينظر لي نظرة يعني بها أن أنصرف من أمامه في التو واللحظة..

كنت أفكر في أمور عديدة كلما اقترب موعد قيام الرحلة، صراحة أنا لم أكن أعرف أي طالب من طلاب دفعتي إلا قليلا، وهؤلاء القلة كانوا في مجموعة أخرى سافرت في الأسبوع السابق لأسبوع رحلتي.. كما أنني لم أكن يومًا من هؤلاء الطلبة الذين يعقدون علاقات ناجحة مع أساتذة القسم، فتجده ليل نهار عنده في المكتب يراجع معه شيء أو يسأله عن معلومة.. أو تجده يمزح مع هذا المُعيد.. بينما أنا لا علاقة لي بأي إنسان هنا إطلاقًا.. 

كيف إذن سأقضي سبعة أيام وسط مجموعة كبيرة من الطلبة، وثلاثة من الأساتذة وأربعة من المُعيدين، وعم (يوسف) ساعي القسم الذي أحببته كثيرًا خلال هذه الرحلة،بعد أن كنت أحسبه مخبرًا يعمل في قسم الجغرافيا متخفيًا في مهنة ساعي؟!!

كيف سأبيت في غرفة واحدة مع ثلاثة طلبة لم أرهم في حياتي من قبل؟ 

كيف وكيف وكيف وكيف.. سلسلة من الأسئلة التي تبدأ بأداة الاستفهام: كيف!! ولم أجد لها إجابات طوال وقت انتظاري للرحلة.. 

حتى جاء اليوم الموعود، كنت عرفت أن السفر سيكون في الثانية بعد منتصف الليل من أمام باب الكلية بشارع بورسعيد، والتجمع يبدأ من الثانية عشرة ليلا.. هكذا بدأت أعد حقيبتي قبلها باثنتي عشرة ساعة كاملة.. أضع كراس كبير تكفي أوراقه لإعادة تدوين ثلاثية تولكين "سيد الخواتم" عليها.. مجموعة أقلام تكفي أحبارها لكتابة المجموعة سالفة الذكر.. أقلام رصاص.. كتاب: تعلم فن الاقتصاد في 24 ساعة بدون معلم -وهذا الكتاب اتضح أنه عن فن الطهي للأسف- لمؤلفه عبد الحميد سميث.. كتاب حدث في أنتيكا لتامر أحمد -أيامها كان لسه جديد بقاله شهرين في المكتبات- ولم أكن قد أكملت قراءته بعد.. بعض روايات رجل المستحيل وما وراء الطبيعة.. شاحن الموبايل.. فرشتا الشعر والأسنان.. منشفة (فوطة يعني).. ماكينة حلاقة حتى لا أعود من هناك خليفة لإنسان الكهف.. شبشب طبعًا إلا لو كنت أجيد السير حافي الأقدام.. لم أجد حاجة لأخذ مسدس الليزر خاصة أنه لعبة وليس حقيقيًا ومن أيام طفولتي، أي لم يبق من أجزائه إلا الزناد.. أرقام تليفونات الطوارئ بمصر من بوليس نجدة وإسعاف ومطافي لربما انقلببنا الأوتوبيس في الصحراء.. ثم أخذت أعتصر ذهني محاولا تذكر شيئًا ناقصًا وضروريًا ولا أعرف ما هو..

وفي التاسعة مساء يوم الخامس من مارس جمعت الأسرة وصافحتهم فردًا فردًا قائلا لهم أن هذا واجبي تجاه الوطن، وإنني إن لم أعد فليحتسبونني شهيدًا، وليكن نصبي التذكاري عبارة عن نخلة معلقة عليها صورة لآدم سميث وألا يُطلقون على النصب التذكاري: نصب الجندي المجهول، لأنني معروف قطعًا..

ثم أخذت أخي إلى ركن بعيد، وأوصيته خيرًا بالسايبر والأجهزة، وأن يستمر في قتل الزبائن خاصة الأطفال الذين يحيلون السايبر جحيمًا، ووصفت له المقبرة التي أدفنهم فيها في الحجرة الخلفية للسايبر، بينما كان أخي مصاب بالهلع، فربتت على كتفه ومسحت دمعة تأثر، ثم غادرت البيت حاملا حقيبة محشوة بالملابس والأشياء المذكورة في الفقرة قبل السابقة..

وحين أوقفت الميكروباص، سارعت بإلقاء نظرة أخيرة على البيت والميكروباص ينطلق بي ويبتعد، مقتربًا من بداية الرحلة نحو واحة الشروق..


***********

إلى اللقاء مع الحلقة القادمة بإذن الله

هناك ٨ تعليقات:

Ρών. يقول...

:)
من المتابعين يا عمرو
وبانتظار الجزء الجديد

عمرو عز الدين يقول...

شرفتي ونورتي يادكتورة وبإذن الله الجزء الجديد قريب جدًا :)))

غير معرف يقول...

ههههههههه وصف لذيذ وياترى أخوك حافظ على المسدس ..أنا سعيدة انك رجعت لأسلوبك الساخر
كيمو

أحمد يحيى يقول...

الله ينور يبو عمرو..
الأسلوب الخفيف المميز لأدب الرحلات..
في انتزار الباقي كما قلت لك ;)

غير معرف يقول...

انا اتلخبطت :)
عارف المسدس بتاعك اللي محتفظ بيه ذكرني بخالتي كانت برضه بحتفظ بحاجتها وهي طفلة وتعتز فيها اوي زيك...فكان عندها هيكل راس بتاع عروسة بدون شعر وتجويف عينين بس وبدون جسم يعني بقت جمجمة في النهاية وبرضه محتفظة بيها الين مااولادها بقوا رجالة..كنت بترعب منها وانا طفلة...سبحان الله الأطفال بيعتزوا بحاجتهم بشكل قوي جدا
كيمو

غير معرف يقول...

ازيك ياعمرو؟ امتى هتنزل بقية الموضوع أنا حاسة انك مشغول عن الكتابة الفترة دي أو بتكتب في كتاب ولاحاجة ؟؟أهم شئ تستمر وتشد حيلك عشان خسارة
كيمو

عمرو عز الدين يقول...

معلش ياكيمو فعلا كنت مشغول في موضوعات كتير.. وربنا يسهل بإذن الله وأكمل قريب.. :))
شكرًا لاهتمامك

غير معرف يقول...

االله يفتح عليك ..العفو على ايه بس :)
كيمو

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...