دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الثلاثاء، ٢٣ نوفمبر ٢٠١٠

اقــتـــل حــزنـــك




لا أجيد كتابة اليوميات، ولا أحبها.. حاولت منذ سنوات بعيدة أن أحرص على تدوين يومياتي في كشكول كبير.. معتقدًا أنه لن يكفيني وسأحتاج لأكثر من واحد.. كان ذلك منذ زمن بعيد، حين كنت في الثانوية العامة. واستمر الوضع لمدة أسبوع.. لأكتشف بعدها أنني صرت أكتب اليوميات أكثر مما أقوم بها في الواقع..

فإن قمت للأكل، عدت بسرعة للكشكول وكتبت: لقد أكلت الآن..

أذهب للمذاكرة، فأفتح الكشكول وأكتب: سأذاكر الآن إن شاء الله.. وبعد ساعتين أو ثلاثة أفتحه مجددًا وأكتب: للأسف لم أذاكر حرفًا واحدًا..

ثم استنتجت الاستنتاج الأعظم، لقد بدأت كتابة اليوميات ليس لأنني رئيس دولة يكتب مذكراته، مثلما يفعل الحاج بوش الآن، وليس لأنني محمد علي كلاي، بل لأنني طالب ثانوية عامة، ولابد أن أبتكر شيئًا يلهيني عن المذاكرة..

لكن بعض الأحداث اليومية التي قد تقع لي، أو ربما تقع لغيري ممن حولي، جديرة بالتدوين والتخزين في ذاكرة مكتوبة، وهو ما يُعد أفضل بكثير من التخزين في ذاكرة دماغية تتجدد من تلقاء نفسها كل نصف ساعة، وهنا أتحدث عن ذاكرتي التي تتذكر الأشياء بمزاجها وليس لأنني أريدها أن تتذكر.

ومع ذلك، فإن الإنسان حين يقرر تدوين ما يستحق أن يحتفظ به من ذكريات، يجد أن أغلبها هي ذكريات كئيبة، حزينة، وكأنما لم يعد هناك مجال للذكريات المفرحة السعيدة.. هل لأن الأشياء السعيدة لم تعد تحدث؟ طبعًا هذا مستحيل نظريًا وعمليًا وفيزيائيًا وكله كله.. وعلى الوجه الآخر نجد أنه من المستحيل أيضًا أن تكون الحياة كلها كآبة وحزن وسواد في سواد..

الإنسان لديه ميل فطري للحزن، ويجد فيه لذة غير طبيعية، لذلك -في رأيي- لا ينتبه إلا للحظات الحزن فقط، وتمر عليه لحظات السعادة فلا يراها أو يظنها فترة استراحة بين كآبة وأخرى فلا يكترث بها.. لذلك فأنا أتمنى وأدعو لتذكر اللحظات الحلوة.. والتركيز عليها، وإبرازها وتضخيمها.. اجعلوها تأخذ حيزًا كبيرًا من الفراغ فلا تسمح للحظات الأخرى بالتمدد والتوسع في أرضية حياتك وسمائها وعلى جدرانها.. 

تذكر كيف ابتسمت اليوم، واكتب الموقف بالتفصيل وتمعن فيه وابتسم معه مجددًا.. تذكري كيف طافت بجوانحك السعادة ذات مرة فمسحت دمعة سالت على خدك، واكتبيها وابرزي معالمها وتأمليها.. 

الحزن والكآبة يأخذان معهما بريقنا، يأكلان حياتنا ويخرجان فضلاتها حزنًا أكثر وكآبة أشد سوادًا، وقود الحزن هو الحزن.. فدعونا نقطع عنه الإمدادات، ونسمح لقوات السعادة بالعبور وتدمير خط البؤس المنيع والساتر الكئيب.. 

اقتل حزنك واصنع سعادتك بنفسك.. ولا تجعل الأمر يتوقف عندك، انطلق وانشر الأمر حولك في كل مكان.. وابدأ بنفسك.. 

لا يوجد للحزن مكان كبير بيننا بعد الآن.. له مكانه الطبيعي أما أكبر من هذا فلا..

هناك ٣ تعليقات:

أحمد يحيى يقول...

لذيذة أوي ياعمرو..
كنت عايز أحط الإيموشن اياه :) بس قلت إنه بيدعو للحزن أكتر من التفاؤل.. فبلاش.
:D

بالحديث عن اليوميات؛ فقد بدأت في تدوين يومياتي أيضًا لكن في نهاية المرحلة الثانوية وأثناء فترة الكلية. أنهيت كشكولين من فئة 100 ورقة تقريبًا.. لكن الأول فُقد مني في ظروف تنظيف بيت غامضة!!

تقريبًا كانت أولى محاولات الكتابة.. :D:D

Ρών. يقول...

أسعد الله صباحاتك يا عمرو..تدوينة لطيفة في أول اليوم~~أتفق معك في أن الحزن عند الكثيرين يأخذ أكبر من مساحته الطبيعية، لكن هناك من يذوبون في الحزن وإن غاب أحياناً يختلقونه ويلونون به وجوههم كالماكياج بالضبط وإن اقتربت منهم لا يصلك منهم إلا الكثير منه..أبعدنا الله عن مثل هذه العينة..فوق كل شيء أؤمن أن السعادة حالة مزاجية يصنعها صاحبها..وسأعود لاحقاً لتعليق آخر.

غير معرف يقول...

أحسنت، وصدقت في أمر الحزن، فلا داع للاستغراق فيه لأن الحياة بها ما يطرب النفس وأهم هذا من وجهة نظري الصبر والتفاؤل فهما من الإيمان

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...