دوّر يمكن تلاقي

بحث مخصص

الثلاثاء، ٤ يناير ٢٠١١

في أحداث الإسكندرية.. قل خيرًا أو اصمت



لم تكن قد مرت أربع وعشرون ساعة على أحداث كنيسة القديسين بالإسكندرية، حتى قرأت مقالا على أحد المواقع الشبابية، يتحدث عن الفتنة الطائفية وأسبابها. تلك الأسباب التي أرجعها كاتب المقال إلى التربية في منزله والتي تسيء للمسيحين، وتضع له قائمة من المحاذير في تعامله معهم. ثم عمم هذه التربية على بيوت ومدارس ومساجد مصر جميعًا؛ لكي تُصبح كل تلك الأمكنة فجأة -وحسب ما جاء في المقال- متهمة بتربية جيل من المتطرفين الذين لا يقبلون الآخر، وبالذات إن كان مسيحي.

قرأت المقال متعجبًا لعدة أسباب في آن واحد، أولها هو سرعة نشر هذا المقال، وما وراءه من معانٍ خفية. فما حدث في الإسكندرية هو حادث مُدبر من جهات تريد إثارة الفتنة بين أبناء البلد الواحد، بينما أتى المقال ليذكر التربية الخاطئة الكارثية التي تعمل على تحويل الطفل إلى شاب متطرف عنصري، لا يقبل الآخر ويكرهه وينظر له نظرة دونية. ما الرابط إذن بين المقال والحادث؟ هل يريد كاتب المقال أن يثبت بكلامه أن الفاعل هو الطرف المُسلم لما تلقاه في صغره من تربية عنصرية؟

النقطة الثانية هي تلك الحكايات التي أتى بها، سواء كانت من منزله أو في مدرسته أو خطبة في مسجد، والسؤال هو إذا كانت كل تلك السلبيات موجودة فمن أين أتى المعتدلون؟ ومن الذي علّمهم الاعتدال في ظل تلك العنصرية التي عاشوا في كنفها طوال فترات التشكيل النفسي والوجداني للإنسان؟

دعوني أخبركم إذن من أين يأتي المعتدلون، وكيف أن التربية الإيجابية موجودة لكن معطيات الواقع تحتم علينا ذكر السلبيات فقط، كي نعطي حينها للمقالات بعضَا من الجرأة الزائفة. 

في طفولتي بالإسكندرية، وخاصة بمحرم بك، كنت أسكن في شارع يقطنه الكثير من الجيران المسيحيين. البقال على يمين المنزل مسيحي، والكهربائي على يسار المنزل كذلك، أما العمارة المواجهة فكانت تحتوي على ثلاث أو أربع عائلات مسيحية على الأكثر. كان البقال إذا تأخر في العودة لمنزله ليلا في ليلة ممطرة أو عاصفة، دخل عندنا ليبيت معنا حتى الصباح الذي يبعد بمقدار بضعة ساعات، وإذا مرض القس (ويليام) في العمارة المواجهة، أخذني خالي وذهبنا لعيادته والاطمئنان على صحته.

حين يأتي شهر رمضان، كنا نتجمع نحن الأطفال الصغار، ثم ننطلق إلى بيوت الشارع كلها فنأخذ منهم الأموال الرمزية، ونذهب لشراء لوازم الزينة والفانوس العملاق الذي سينير الشارع من أعلى نقطة في مركزه طوال الشهر الكريم، وإذا طرقنا باب مسيحي أعطانا من ماله وهو يهنئنا برمضان. بل أذكر أننا دخلنا ذات مرة بيتًا لنربط الزينة إلى شرفته، وكان بالبيت عريس في جلسة تعارف مع العروسة وأهلها، ومع ذلك احتَمَلَنا أهل العروسة حتى انتهينا، رغم ما قد يجره تصرفنا عليهم من إحراج.

أما في رمضان نفسه وحين ينطلق مدفع الإفطار، كنا نذهب للمسجد المجاور فنصلي المغرب ونعود، ليفاجئنا مشهد تجمع البقال والكهربائي والترزي وصبيانهم في محل واحد منهم لتناول الطعام. فكان أبي يداعبهم بقوله: صومًا مقبولا، بينما هم يشيرون لنا ثم للطعام وجميعهم يصيحون معًا: اتفضل افطر معانا.

في الصعيد، حين قضيت عامين للدراسة في أوائل التسعينيات، كان زميل المقعد في الفصل مسيحي ويُدعى (بنيامين)، اختفي ذات مرة وعرفت بعدها أنه أجرى عملية الزائدة الدودية، ذهبت للمنزل وأخبرتهم بذلك، فشجعوني جميعًا على زيارته، وبالفعل ذهبت وكانت سعادته كبيرة بي واحتفت بي أسرته ببالغ الحفاوة.

فإذا كان هذا هو الواقع الذي عشته، ولم أحك إلا النذر اليسير منه، فمن أين أتى كاتب المقال بهذا الواقع الآخر؟ وإن كان صحيحًا فلماذا يتم التعميم طالما أن هناك نماذج أخرى تستحق الذكر؟ ولماذا ذكرها أصلا في هذا التوقيت بالذات إذا كان الحادث يستهدف الجميع مسلمين ومسيحيين؟! 

إن مَن وراء هذه الكارثة يتوقعون اندلاع نيران الفتنة، لزعزعة أمن الإنسان العادي، أو ليقوموا بإبعاد الأنظار عنهم. لكن أيًا كانت أهدافهم فلا ينبغي لنا أن نساعدهم سواء عن قصد أو بدون قصد، بل إن من واجب كل مصري يخاف على أهل بلده في تلك اللحظات الحرجة، ألا ينزلق لفخ الشحن المعنوي والانفعالي المُدمر.

رجاءًا أخي المصري قل خيرًا.. أو اصمت.

هناك ٤ تعليقات:

روز يقول...

الله، تسلم إيدك يا عمرو :)

غير معرف يقول...

فعلا عندك حق

Abeer hussien يقول...

فعلا عندك حق يا عمرو

عمرو عز الدين يقول...

شكرًا ياجماعة.. يارب يحفظ لنا البلد ويرد كيد كل من يريد بنا شرًا..

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...